[ ص: 1742 ] تفسير سورة اقتربت
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر
يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها، وحان وقت مجيئها، ومع هذا، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها، غير مستعدين لنزولها، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصدقه، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى، فانشق فلقتين، فلقة على
جبل أبي قبيس، وفلقة على
جبل قعيقعان، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية العظيمة الكائنة في العالم العلوي، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل.
فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره، فانبهروا لذلك، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يرد الله بهم خيرا، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا
محمد، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من ورد عليكم من السفر، فإنه إن قدر على سحركم، لا يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم، فسألوا كل من قدم، فأخبروهم بوقوع ذلك، فقالوا:
سحر مستمر سحرنا
محمد وسحر غيرنا، وهذا من البهت، الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل، وهذا ليس إنكارا منهم لهذه الآية وحدها، بل كل آية تأتيهم، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالتكذيب والرد لها، ولهذا قال:
وإن يروا آية يعرضوا [ ص: 1743 ] فلم يعد الضمير على انشقاق القمر فلم يقل: وإن يروها بل قال:
وإن يروا آية يعرضوا فليس قصدهم اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الهوى، ولهذا قال:
وكذبوا واتبعوا أهواءهم كقوله تعالى:
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى، لآمنوا قطعا، واتبعوا
محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه أراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع، ما دل على جميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية،
وكل أمر مستقر أي: إلى الآن، لم يبلغ الأمر غايته ومنتهاه، وسيصير الأمر إلى آخره، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم، ومغفرة الله ورضوانه، والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه، خالدا مخلدا أبدا.
وقال تعالى -مبينا أنهم ليس لهم قصد صحيح، ولا اتباع للهدى-:
ولقد جاءهم من الأنباء أي: الأخبار السابقة واللاحقة والمعجزات الظاهرة
ما فيه مزدجر أي: زاجر يزجرهم عن غيهم وضلالهم، وذلك
حكمة منه تعالى
بالغة أي: لتقوم حجته على العالمين ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل،
فما تغن النذر كقوله تعالى:
ولو جاءتهم كل آية لا يؤمنوا
حتى يروا العذاب الأليم