[ ص: 1770 ] فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين
أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي: مساقطها في مغاربها، وما يحدث الله في تلك الأوقات، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده.
ثم عظم هذا المقسم به، فقال:
وإنه لقسم لو تعلمون عظيم وإنما كان القسم عظيما، لأن في النجوم وجريانها، وسقوطها عند مغاربها، آيات وعبرا لا يمكن حصرها.
وأما المقسم عليه، فهو إثبات القرآن، وأنه حق لا ريب فيه، ولا شك يعتريه، وأنه كريم أي: كثير الخير، غزير العلم، فكل خير وعلم، فإنما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه.
في كتاب مكنون أي: مستور عن أعين الخلق، وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ أي: إن هذا
القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، معظم عند الله وعند ملائكته في الملأ الأعلى.
ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون، هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينزلهم الله لوحيه ورسالته وأن المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين، لا قدرة لهم على تغييره، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه.
لا يمسه إلا المطهرون أي: لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام، الذين طهرهم الله تعالى من الآفات، والذنوب والعيوب، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون، وأن أهل الخبث والشياطين، لا استطاعة لهم، ولا يدان إلى مسه، دلت الآية تنبيها على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر، كما ورد بذلك الحديث، ولهذا قيل أن الآية خبر بمعنى النهي أي:
لا يمس القرآن إلا طاهر. [ ص: 1771 ] تنزيل من رب العالمين أي: إن هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل
رب العالمين، الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية ، وأجل تربية ربى بها عباده، إنزاله هذا القرآن، الذي قد اشتمل على مصالح الدارين، ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكورا. ومما يجب عليهم أن يقوموا به ويعلنوه ويدعوا إليه ويصدعوا به، ولهذا قال:
أفبهذا الحديث أنتم مدهنون أي: أفبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم أنتم مدهنون أي: تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم وألسنتهم؟ هذا لا ينبغي ولا يليق، إنما يليق أن يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه.
وأما القرآن الكريم، فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب إلا غلب، ولا يصول به صائل إلا كان العالي على غيره، وهو الذي لا يداهن به ويختفى، بل يصدع به ويعلن.
وقوله:
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي: تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله، فتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم.
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون أي: فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم، وأنتم تنظرون المحتضر في هذه الحالة، والحال أنا نحن أقرب إليه منكم، بعلمنا وملائكتنا، ولكن لا تبصرون.
فلولا إن كنتم غير مدينين أي: فهلا إذ كنتم تزعمون، أنكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين.
ترجعون الروح إلى بدنها
إن كنتم صادقين وأنتم تقرون أنكم عاجزون عن ردها إلى موضعها، فحينئذ إما أن تقروا بالحق الذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أن تعاندوا وتعلم حالكم وسوء مآلكم.