ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون
يقول تعالى:
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد، بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى ، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الأجر العظيم كما قال تعالى:
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وعلم من ذلك أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الهلع والجزع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر. هذا ما يتعلق بقوله:
ومن يؤمن بالله يهد قلبه في مقام المصائب الخاص، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي، فإن الله أخبر أن كل من آمن أي: الإيمان المأمور به، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره،
[ ص: 1840 ] وصدق إيمانه بما يقتضيه الإيمان من لوازمه وواجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أقواله، وأفعاله وجميع أحواله وفي علمه وعمله. وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان، كما قال تعالى في الأخبار: أنه
يثبت المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وأصل الثبات: ثبات القلب وصبره، ويقينه عند ورود كل فتنة، فقال:
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبا، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات، وذلك لما معهم من الإيمان.
وقوله:
وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول أي: في امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فإن طاعة الله وطاعة رسوله، مدار السعادة، وعنوان الفلاح،
فإن توليتم أي عن طاعة الله وطاعة رسوله،
فإنما على رسولنا البلاغ المبين أي: يبلغكم ما أرسل به إليكم، بلاغا يبين لكم ويتضح وتقوم عليكم به الحجة، وليس بيده من هدايتكم، ولا من حسابكم شيء، وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله، أو عدم ذلك، عالم الغيب والشهادة.
الله لا إله إلا هو أي: هو
المستحق للعبادة والألوهية ، فكل معبود سواه فباطل،
وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي: فليعتمدوا عليه في كل أمر نابهم، وفيما يريدون القيام به، فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الله، ولا يتم الاعتماد على الله، حتى يحسن العبد ظنه بربه، ويثق به في كفايته الأمر الذي يعتمد عليه به،
وبحسب إيمان العبد يكون توكله، قوة وضعفا .