فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين
يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان
[ ص: 1863 ] يوم الجزاء، ورأوا العذاب منهم
زلفة أي: قريبا، ساءهم ذلك وأفظعهم، وأقلقهم، فتغيرت لذلك وجوههم، ووبخوا على تكذيبهم، وقيل لهم هذا الذي كنتم به تدعون، فاليوم رأيتموه عيانا، وانجلى لكم الأمر، وتقطعت بكم الأسباب ولم يبق إلا مباشرة العذاب.
ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، ويتربصون به ريب المنون، أمره الله أن يقول لهم: أنتم وإن حصلت لكم أمنيتكم وأهلكني الله ومن معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئا، لأنكم كفرتم بآيات الله، واستحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم؟ فإذا، تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيد، ولا مجد عنكم شيئا.
ومن قولهم، إنهم على هدى، والرسول على ضلال، أعادوا في ذلك وأبدوا، وجادلوا عليه وقاتلوا، فأمر الله نبيه أن يخبر عن حاله وحال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم وتقواهم، وهو أن يقولوا:
آمنا به وعليه توكلنا والإيمان يشمل التصديق الباطن، والأعمال الباطنة والظاهرة، ولما كانت
الأعمال، وجودها وكمالها، متوقفة على التوكل، خص الله التوكل من بين سائر الأعمال، وإلا فهو داخل في الإيمان، ومن جملة لوازمه كما قال تعالى:
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين فإذا كانت هذه حال الرسول وحال من اتبعه، وهي الحال التي تتعين للفلاح، وتتوقف عليها السعادة، وحالة أعدائه بضدها، فلا إيمان لهم ولا توكل، علم بذلك من هو على هدى، ومن هو في ضلال مبين.
ثم أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصا الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال:
قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا أي: غائرا
فمن يأتيكم بماء معين تشربون منه، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى.
تم تفسير سورة الملك والحمد لله.