[ ص: 1911 ] ثم ذكر أحوال القيامة فقال:
فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره
أي: إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف كما قال تعالى:
إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وخسف القمر أي: ذهب نوره وسلطانه،
وجمع الشمس والقمر وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى، فيجمع الله بينهما يوم القيامة، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ثم يقذفان في النار، ليرى العباد أنهما عبدان مسخران، وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين.
يقول الإنسان حين يرى تلك القلاقل المزعجات:
أين المفر أي: أين الخلاص والفكاك مما طرقنا وألم بنا ؟
كلا لا وزر أي: لا ملجأ لأحد دون الله،
إلى ربك يومئذ المستقر لسائر العباد فليس في إمكان أحد أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع، بل لا بد من إيقافه ليجزى بعمله، ولهذا قال:
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر أي: بجميع عمله الحسن والسيء، في أول وقته وآخره، وينبأ بخبر لا ينكره.
بل الإنسان على نفسه بصيرة أي: شاهد ومحاسب،
ولو ألقى معاذيره فإنها معاذير لا تقبل، ولا تقابل بل يقرر بعمله ، فيقر به، كما قال تعالى:
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .
فالعبد وإن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره، وجميع جوارحه بما كان يعمل، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه:
فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون