فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى [ ص: 1935 ] فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى
أي: إذا جاءت القيامة الكبرى، والشدة العظمى، التي يهون عندها كل شدة، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده، والصاحب عن صاحبه وكل محب عن حبيبه . و
يتذكر الإنسان ما سعى في الدنيا، من خير وشر، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته، ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته.
ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا، وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال.
وبرزت الجحيم لمن يرى أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد، قد برزت لأهلها، واستعدت لأخذهم، منتظرة لأمر ربها.
فأما من طغى أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، ولم يقتصر على ما حده الله.
وآثر الحياة الدنيا على الآخرة فصار سعيه لها، ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة والعمل لها.
فإن الجحيم هي المأوى له أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله،
وأما من خاف مقام ربه أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير،
فإن الجنة المشتملة على كل خير وسرور ونعيم
هي المأوى لمن هذا وصفه.