إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما
(48) يخبر تعالى: أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا اقتضت
[ ص: 313 ] حكمته مغفرته.
فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة، كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد.
وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا، وما لهم يوم القيامة
من شافعين ولا صديق حميم .
ولهذا قال تعالى:
ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما أي افترى جرما كبيرا وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق -من تراب الناقص من جميع الوجوه الفقير بذاته من كل وجه الذي لا يملك لنفسه- فضلا عمن عبده -نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا- بالخالق لكل شيء الكامل من جميع الوجوه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع الذي ما من نعمة بالمخلوقين إلا فمنه تعالى فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟
ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب
إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار
وهذه الآية الكريمة في حق غير التائب وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى:
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أي: لمن تاب إليه وأناب.