وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين
(91) أي: وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله، وهو القرآن، استكبروا وعتوا، و
قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه أي: بما سواه من الكتب، مع أن الواجب أن يؤمنوا بما أنزل الله مطلقا، سواء أنزل عليهم، أو على غيرهم، وهذا هو الإيمان النافع، الإيمان بما أنزل الله على جميع رسل الله.
وأما
التفريق بين الرسل والكتب، وزعم الإيمان ببعضها دون بعض، فهذا ليس بإيمان، بل هو الكفر بعينه، ولهذا قال تعالى:
إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا .
ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا، وألزمهم إلزاما لا محيد لهم عنه، فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال:
وهو الحق فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات، والأوامر والنواهي، وهو من عند ربهم، فالكفر به بعد ذلك كفر بالله، وكفر بالحق الذي أنزله.
ثم قال:
مصدقا لما معهم أي: موافقا له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمنا عليه.
فلم تؤمنون بما أنزل عليكم، وتكفرون بنظيره؟ هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى؟
وأيضا، فإن كون
القرآن مصدقا لما معهم، يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب ، فلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به، فإذا كفروا به وجحدوه، صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها، ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته، ثم يأتي هو لبينته وحجته، فيقدح فيها ويكذب بها; أليس هذا من الحماقة والجنون؟ فكان كفرهم بالقرآن، كفرا بما في أيديهم ونقضا له.
ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله:
قل لهم:
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين .
[ ص: 78 ]
(92)
ولقد جاءكم موسى بالبينات أي: بالأدلة الواضحات المبينة للحق،
ثم اتخذتم العجل من بعده أي: بعد مجيئه
وأنتم ظالمون في ذلك ليس لكم عذر.
(93)
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا أي: سماع قبول وطاعة واستجابة،
قالوا سمعنا وعصينا أي: صارت هذه حالتهم
وأشربوا في قلوبهم العجل أي: صبغ حب العجل، وحب عبادته، في قلوبهم، وشربها بسبب كفرهم.
قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين أي: أنتم تدعون الإيمان وتتمدحون بالدين الحق، وأنتم قتلتم أنبياء الله، واتخذتم العجل إلها من دون الله، لما غاب عنكم
موسى، نبي الله، ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إلا بعد التهديد ورفع الطور فوقكم، فالتزمتم بالقول، ونقضتم بالفعل، فما هذا الإيمان الذي ادعيتم، وما هذا الدين؟.
فإن كان هذا إيمانا على زعمكم، فبئس الإيمان الداعي صاحبه إلى الطغيان، والكفر برسل الله، وكثرة العصيان، وقد عهد أن
الإيمان الصحيح، يأمر صاحبه بكل خير ، وينهاه عن كل شر، فوضح بهذا كذبهم، وتبين تناقضهم.