يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم [ ص: 622 ] (45) يقول تعالى:
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة أي: طائفة من الكفار تقاتلكم.
فاثبتوا لقتالها، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتها العز والنصر.
واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر الله
لعلكم تفلحون أي: تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر.
(46)
وأطيعوا الله ورسوله في استعمال ما أمرا به، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال.
ولا تنازعوا تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها،
فتفشلوا أي: تجبنوا
وتذهب ريحكم أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله.
واصبروا نفوسكم على طاعة الله
إن الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد.
(47) واخشعوا لربكم واخضعوا له.
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله أي: هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم لقصد الأشر والبطر في الأرض، وليراهم الناس ويفخروا لديهم.
والمقصود الأعظم أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل الله من أراد سلوكه،
والله بما يعملون محيط فلذلك أخبركم بمقاصدهم، وحذركم أن تشبهوا بهم، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.
فليكن قصدكم في خروجكم وجه الله تعالى وإعلاء دين الله، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط الله وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل الله القويم الموصل لجنات النعيم.
(48)
وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم حسنها في قلوبهم وخدعهم.
وقال لا غالب لكم اليوم من الناس فإنكم في عدد وعدد وهيئة لا يقاومكم فيها
محمد ومن معه.
وإني جار لكم من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدى
لقريش في صورة
سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكانوا يخافون من
بني مدلج لعداوة كانت بينهم.
فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين.
فلما تراءت الفئتان المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان
جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و
نكص على عقبيه أي: ولى مدبرا.
وقال لمن خدعهم وغرهم:
إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون أي: أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم.
إني أخاف الله أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا
والله شديد العقاب [ ص: 623 ] ومن المحتمل أن يكون الشيطان، قد سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى:
كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
(49)
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض أي: شك وشبهة، من ضعفاء الإيمان، للمؤمنين حين أقدموا - مع قلتهم - على قتال المشركين مع كثرتهم.
غر هؤلاء دينهم أي: أوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا يدان لهم بها، ولا استطاعة لهم بها، يقولونه احتقارا لهم واستخفافا لعقولهم، وهم - والله - الأخفاء عقولا الضعفاء أحلاما.
فإن الإيمان يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها الجيوش العظام، فإن المؤمن المتوكل على الله، الذي يعلم أنه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لأحد إلا بالله تعالى، وأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة لم ينفعوه، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وعلم أنه على الحق، وأن الله تعالى حكيم رحيم في كل ما قدره وقضاه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من قوة وكثرة، وكان واثقا بربه، مطمئن القلب لا فزعا ولا جبانا، .ولهذا قال
ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز لا يغالب قوته قوة.
حكيم فيما قضاه وأجراه.