وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين
(61) يقول تعالى:
وإن جنحوا أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا
للسلم أي: الصلح وترك القتال.
فاجنح لها وتوكل على الله أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة.
منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم.
ومنها: أن في ذلك إجماما لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج إلى ذلك.
ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له، فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين.
(62-63) ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار
[ ص: 628 ] قصدهم بذلك خدع المسلمين، وانتهاز الفرصة فيهم، فأخبرهم الله أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره، فقال:
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق لك من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك.
فلـ
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي: أعانك بمعونة سماوية، وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك.
وألف بين قلوبهم فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة غير قوة الله، فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة
ما ألفت بين قلوبهم لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا الله تعالى.
ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى:
واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
(64) ثم قال تعالى:
يا أيها النبي حسبك الله أي: كافيك
ومن اتبعك من المؤمنين أي: وكافي أتباعك من المؤمنين، وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية والنصرة على الأعداء.
فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.