فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو [ ص: 741 ] جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون
(12) يقول تعالى - مسليا لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم، عن تكذيب المكذبين-:
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أي: لا ينبغي هذا لمثلك، أن قولهم يؤثر فيك، ويصدك عما أنت عليه، فتترك بعض ما يوحى إليك، ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم:
لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك فإن هذا القول ناشئ من تعنت وظلم وعناد وضلال وجهل بمواقع الحجج والأدلة، فامض على أمرك، ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة التي لا تصدر إلا من سفيه ولا يضق لذلك صدرك.
فهل أوردوا عليك حجة لا تستطيع حلها؟ أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا يؤثر فيه وينقص قدره، فيضيق صدرك لذلك؟! أم عليك حسابهم، ومطالب بهدايتهم جبرا؟
إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل فهو الوكيل عليهم، يحفظ أعمالهم، ويجازيهم بها أتم الجزاء.
(13)
أم يقولون افتراه أي: افترى
محمد هذا القرآن؟ فأجابهم بقوله:
قل لهم
فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين أنه قد افتراه ، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته، فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.
(14)
فإلم يستجيبوا لكم على شيء من ذلكم
فاعلموا أنما أنزل بعلم الله من عند الله لقيام الدليل والمقتضي، وانتفاء المعارض.
وأن لا إله إلا هو أي: واعلموا أنه لا إله إلا هو أي:
هو وحده المستحق للألوهية والعبادة ،
فهل أنتم مسلمون أي: منقادون لألوهيته، مستسلمون لعبوديته، وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين.
خصوصا إذا كان القدح لا مستند له ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيا على أمره، مقبلا على
[ ص: 742 ] شأنه، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها. بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن
هذا القرآن، معجز بنفسه، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور من مثله، بل ولا بسورة من مثله، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك، فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك.
وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى:
فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو .