وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود
(50) أي: ( و ) أرسلنا " إلى عاد " وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف، من أرض اليمن،
أخاهم في النسب
هودا ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم
[ ص: 753 ] بصدقه.
فقال لهم
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون أي: أمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عما هم عليه، من عبادة غير الله، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره، وتجويزهم لذلك، ووضح لهم وجوب عبادة الله، وفساد عبادة ما سواه.
(51) ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال
يا قوم لا أسألكم عليه أجرا أي: غرامة من أموالكم، على ما دعوتكم إليه، فتقولوا: هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا.
إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ما أدعوكم إليه، وأنه موجب لقبوله، منتف المانع عن رده.
(52)
ويا قوم استغفروا ربكم عما مضى منكم
ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى.
فإنكم إذا فعلتم ذلك
يرسل السماء عليكم مدرارا بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها.
ويزدكم قوة إلى قوتكم فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا:
من أشد منا قوة ؟ ، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم.
ولا تتولوا عنه، أي: عن ربكم
مجرمين أي: مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه.
(53) فقالوا رادين لقوله:
يا هود ما جئتنا ببينة إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه، من الآيات ما يؤمن على مثله البشر.
ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة على صدقه.
بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم: إني توكلت على الله ربي وربكم ،
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما
[ ص: 754 ] معه من النور، بأي طريق كان، وهو غير مكترث منهم، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
وقولهم:
وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك أي: لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم،
وما نحن لك بمؤمنين وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليه السلام، في إيمانهم، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون.
(54)
إن نقول فيك
إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء أي: أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم.
(55) ولهذا بين هود، عليه الصلاة والسلام، أنه واثق غاية الوثوق، أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى، فقال:
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا أي اطلبوا لي الضرر كلكم بكل طريق تتمكنون بها مني
ثم لا تنظرون أي لا تمهلوني
(56)
إني توكلت على الله أي اعتمدت في أمري كله على الله
ربي وربكم أي هو خالق الجميع ومدبرنا وإياكم وهو الذي ربانا ،
ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه، فلو اجتمعتم جميعا على الإيقاع بي والله لم يسلطكم علي لم تقدروا على ذلك فإن سلطكم فلحكمة أرادها.
إن ربي على صراط مستقيم أي على عدل وقسط وحكمة وحمد في قضائه وقدره في شرعه وأمره وفي جزائه وثوابه وعقابه لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم التي يحمد ويثنى عليه بها
(57)
فإن تولوا عما دعوتكم إليه
فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فلم يبق علي تبعة من شأنكم
ويستخلف ربي قوما غيركم يقومون بعبادته ولا يشركون به شيئا
ولا تضرونه شيئا فإن ضرركم إنما يعود إليكم فالله لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة الطائعين
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها إن ربي على كل شيء حفيظ .
[ ص: 755 ] (58)
ولما جاء أمرنا أي عذابنا بإرسال الريح العقيم التي
ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ أي عظيم شديد أحله الله بعاد فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم
(59)
وتلك عاد الذين أوقع الله بهم ما أوقع بظلم منهم لأنهم
جحدوا بآيات ربهم ولهذا قالوا لهود
ما جئتنا ببينة فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته وإنما عاندوا وجحدوا
وعصوا رسله لأن من عصى رسولا فقد عصى جميع المرسلين لأن دعوتهم واحدة
واتبعوا أمر كل جبار أي متسلط على عباد الله بالجبروت
عنيد أي معاند لآيات الله فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم واتبعوا كل غاش لهم يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله
(60)
وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة فكل وقت وجيل إلا ولأنبائهم القبيحة وأخبارهم الشنيعة ذكر يذكرون به وذم يلحقهم
ويوم القيامة لهم أيضا لعنة
ألا إن عادا كفروا ربهم أي جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم
ألا بعدا لعاد قوم هود أي أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر.