له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال
(14 ) أي : لله وحده
دعوة الحق : وهي : عبادته وحده لا شريك له ،
[ ص: 826 ] وإخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى ، أي : هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء ، والخوف ، والرجاء ، والحب ، والرغبة ، والرهبة ، والإنابة; لأن ألوهيته هي الحق ، وألوهية غيره باطلة . فـ
الذين يدعون من دونه : من الأوثان والأنداد التي جعلوها شركاء لله ،
لا يستجيبون لهم ؛ أي : لمن يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير ، لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة .
إلا كباسط كفيه إلى الماء : الذي لا تناله كفاه لبعده ؛
ليبلغ : ببسط كفيه إلى الماء
فاه ؛ فإنه عطشان ، ومن شدة عطشه يتناول بيده ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه ، فلا يصل إليه ؛ كذلك الكفار الذين يدعون معه آلهة لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في أشد الأوقات إليهم حاجة لأنهم فقراء ؛ كما أن من دعوهم فقراء ،
لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ،
وما دعاء الكافرين إلا في ضلال : لبطلان ما يدعون من دون الله ، فبطلت عبادتهم ودعاؤهم; لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها ، ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين ، كانت عبادته حقا متصلة النفع لصاحبها في الدنيا والآخرة .
وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة; فإن ذلك تشبيه بأمر محال ، فكما أن هذا محال ، فالمشبه به محال ، والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى :
إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط