الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين
(146) يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم، وعرفوا أن
محمدا رسول الله، وأن ما جاء به حق وصدق، وتيقنوا ذلك، كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به كتموا هذه الشهادة مع تيقنها وهم يعلمون،
ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وفي ضمن ذلك تسلية للرسول والمؤمنين، وتحذير له من شرهم وشبههم، وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر به جهلا.
[ ص: 107 ]
فالعالم عليه إظهار الحق وتبيينه وتزيينه بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال، وغير ذلك، وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق وتشيينه وتقبيحه للنفوس بكل طريق مؤد لذلك، فهؤلاء الكاتمون عكسوا الأمر فانعكست أحوالهم.
(147)
الحق من ربك أي: هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء، لما اشتمل عليه من المطالب العالية، والأوامر الحسنة، وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها، ودفع مفاسدها، لصدوره من ربك، الذي من جملة تربيته لك أن أنزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس وجميع المصالح.
فلا تكونن من الممترين أي: فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه، بل تفكر فيه وتأمل، حتى تصل بذلك إلى اليقين، لأن التفكر فيه لا محالة دافع للشك، موصل لليقين.