وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين [ ص: 878 ] (24 ) يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله:
وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم أي: إذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد، فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها أم تكفرون وتعاندون؟
فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه: إنه
أساطير الأولين أي: كذب اختلقه
محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب.
(25 ) فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة.
وقوله:
ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون؛ فكل مستقل بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا
ألا ساء ما يزرون أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم من وزرهم ووزر من أضلوه.
(26 -27
قد مكر الذين من قبلهم برسلهم ، واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاؤوهم به ، وبنوا من مكرهم قصورا هائلة،
فأتى الله بنيانهم من القواعد أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها،
فخر عليهم السقف من فوقهم فصار ما بنوه عذابا عذبوا به،
وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب، فصار عذابهم فيما بنوه وأصلوه.
وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه؛ فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوه وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل يرجعون إليها، ويردون بها ما جاءت به الرسل، واحتالوا أيضا على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم، فصار مكرهم وبالا عليهم، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم، وذلك لأن مكرهم سيئ
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله هذا في الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى، ولهذا قال:
ثم يوم القيامة يخزيهم أي: يفضحهم على رءوس الخلائق ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله.
ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم وتزعمون أنهم شركاء لله، فإذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم،
[ ص: 879 ] والاعتراف بعنادهم فيقولون :
ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قال الذين أوتوا العلم أي: العلماء الربانيون
إن الخزي اليوم أي: يوم القيامة
والسوء أي: العذاب
على الكافرين وفي هذا فضيلة أهل العلم، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه.
(28 ) ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال:
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم أي: تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم ، وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام من أنواع العذاب والخزي والإهانة.
فألقوا السلم أي: استسلموا وأنكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا:
ما كنا نعمل من سوء فيقال لهم:
بلى كنتم تعملون السوء فـ
إن الله عليم بما كنتم تعملون فلا يفيدكم الجحود شيئا، وهذا في بعض مواقف القيامة؛ ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا؛ ظنا أنه ينفعهم، فإذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه؛ أقروا واعترفوا، ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم.
(29
فادخلوا أبواب جهنم كل أهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم، فبئس
مثوى المتكبرين نار جهنم ؛ فإنها مثوى الحسرة والندم، ومنزل الشقاء والألم ، ومحل الهموم والغموم، وموضع السخط من الحي القيوم، لا يفتر عنهم من عذابها، ولا يرفع عنهم يوما من أليم عقابها، قد أعرض عنهم الرب الرحيم، وأذاقهم العذاب العظيم.