أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا
(8) وهذا الاستفهام بمعنى النفي والنهي. أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف وما جرى لهم غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ما يتبين به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنما المراد أن جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها في مقام العجب والاستغراب نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها؛ فإنها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان. وإضافتهم إلى الكهف - الذي هو الغار في الجبل – والرقيم: أي الكتاب الذي
[ ص: 949 ] قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم؛ لملازمتهم له دهرا طويلا.
(10) ثم ذكر قصتهم مجملة، فصلها بعد ذلك فقال:
إذ أوى الفتية أي: الشباب،
إلى الكهف يريدون بذلك التحصن والتحرز من فتنة قومهم لهم،
فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ؛ أي: تثبتنا بها وتحفظنا من الشر، وتوفقنا للخير
وهيئ لنا من أمرنا رشدا ؛ أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا، فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة إلى محل يمكن الاستخفاء فيه، وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم، وعدم اتكالهم على أنفسهم وعلى الخلق. (11) فلذلك استجاب الله دعاءهم، وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم، قال:
فضربنا على آذانهم في الكهف ؛ أي: أنمناهم
سنين عددا وهي ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم وليكون آية بينة.
(12)
ثم بعثناهم ؛ أي: من نومهم
لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ؛ أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم، كما قال تعالى:
وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم الآية، وفي العلم بمقدار لبثهم ضبط للحساب، ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته، فلو استمروا على نومهم لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم.