ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا
(83) كان أهل الكتاب أو المشركون سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة
ذي القرنين، فأمره الله أن يقول:
سأتلو عليكم منه ذكرا فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب.
أي: سأتلو عليكم من أحواله ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم.
[ ص: 981 ] (84 - 85
إنا مكنا له في الأرض ؛ أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له.
وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا ؛ أي: أعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه، ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها؛ أي: استعملها على وجهها، فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه، ولا كل أحد يكون قادرا على السبب، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به حصل المقصود، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل.
وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عدد وعدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها وأنحائها. (86) فأعطاه الله ما بلغ به
مغرب الشمس ، حتى رأى الشمس في مرأى العين، كأنها
تغرب في عين حمئة ؛ أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع،
ووجد عندها ؛ أي: عند مغربها
قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ؛ أي: إما أن تعذبهم بقتل أو ضرب أو أسر ونحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين؛ لأن الظاهر أنهم إما كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق لم يرخص له في تعذيبهم. (87) فكان عند
ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك، فقال: سأجعلهم قسمين:
أما من ظلم بالكفر
فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ؛ أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة.
(88)
وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ؛ أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة.
وسنقول له من أمرنا يسرا ؛ أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين والأولياء العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد بما يليق بحاله.
[ ص: 982 ]