بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون
(18) يخبر تعالى أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإن كان باطل قيل وجودل به، فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان ما يدمغه، فيضمحل، ويتبين لكل أحد بطلانه
فإذا هو زاهق ؛ أي: مضمحل فان، وهذا عام في جميع المسائل الدينية، لا يورد مبطل شبهة عقلية ولا نقلية - في إحقاق باطل أو رد حق - إلا وفي أدلة الله من القواطع العقلية والنقلية ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه، فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد، وهذا يتبين باستقراء المسائل، مسألة مسألة، فإنك تجدها كذلك. ثم قال:
ولكم أيها الواصفون الله بما لا يليق به - من اتخاذ الولد والصاحبة، ومن الأنداد والشركاء - حظكم من ذلك ونصيبكم، الذي تدركون به
الويل والندامة والخسران، ليس لكم مما قلتم فائدة، ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها، وتعملون لأجلها، وتسعون في الوصول إليها، إلا عكس مقصودكم، وهو الخيبة والحرمان. (19) ثم أخبر أنه له ملك السماوات والأرض وما بينهما، فالكل عبيده ومماليكه، فليس لأحد منهم ملك ولا قسط من الملك، ولا معاونة عليه، ولا يشفع
[ ص: 1060 ] إلا بإذن الله، فكيف يتخذ من هؤلاء آلهة؟! وكيف يجعل لله منها ولد؟! فتعالى وتقدس المالك العظيم، الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الصعاب، وخشعت له الملائكة المقربون، وأذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة أجمعون، ولهذا قال:
ومن عنده ؛ أي: من الملائكة
لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ؛ أي: لا يملون ولا يسأمون لشدة رغبتهم، وكمال محبتهم، وقوة أبدانهم.
(20)
يسبحون الليل والنهار لا يفترون ؛ أي: مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم، فليس في أوقاتهم وقت فارغ ولا خال منها، وهم على كثرتهم بهذه الصفة، وفي هذا من بيان عظمته وجلالة سلطانه وكمال علمه وحكمته ما يوجب أن لا يعبد إلا هو، ولا تصرف العبادة لغيره.