إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد [ ص: 1095 ] (17) يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض من الذين أوتوا الكتاب، من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، ومن المجوس، ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل، ويجازيهم بأعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها، ولهذا قال:
إن الله على كل شيء شهيد . (19 -22) ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله:
هذان خصمان اختصموا في ربهم كل يدعي أنه المحق.
فالذين كفروا يشمل كل كافر، من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والمشركين
قطعت لهم ثياب من نار أي: يجعل لهم ثياب من قطران، وتشعل فيها النار؛ ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم،
يصب من فوق رءوسهم الحميم الماء الحار جدا،
يصهر به ما في بطونهم من اللحم والشحم والأمعاء من شدة حره، وعظيم أمره،
ولهم مقامع من حديد بيد الملائكة الغلاظ الشداد، تضربهم فيها وتقمعهم،
كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها فلا يفتر عنهم العذاب، ولا هم ينظرون، ويقال لهم توبيخا:
ذوقوا عذاب الحريق أي: المحرق للقلوب والأبدان. (23)
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ومعلوم أن هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين، الذين آمنوا بجميع الكتب وجميع الرسل،
يحلون فيها من أساور من ذهب أي: يسورون في أيديهم - رجالهم ونساؤهم - أساور الذهب،
ولباسهم فيها حرير فتم نعيمهم بذكر أنواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها لفظ الجنات، وذكر الأنهار السارحات، أنهار الماء واللبن والعسل والخمر، وأنواع اللباس، والحلي الفاخر.
(24) وذلك بسبب أنهم " هدوا إلى الطيب من القول " الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله،
وهدوا إلى صراط الحميد ؛ أي: الصراط المحمود؛ وذلك لأن جميع الشرع كله محتو على الحكمة والحمد، وحسن المأمور به، وقبح المنهي عنه، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح. أو: وهدوا إلى صراط الله الحميد؛ لأن الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه؛ لأنه يوصل صاحبه إلى الله، وفي ذكر الحميد هنا؛ ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم
[ ص: 1096 ] ومنته عليهم، ولهذا يقولون في الجنة :
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . (18) واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له، جميع من في السماوات والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، الذي يشمل الحيوانات كلها، وكثير من الناس، وهم المؤمنون،
وكثير حق عليه العذاب ؛ أي: وجب وكتب؛ لكفره وعدم إيمانه، فلم يوفقه للإيمان؛ لأن الله أهانه،
ومن يهن الله فما له من مكرم ولا راد لما أراد، ولا معارض لمشيئته، فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزته، عانية لسلطانه، دل على أنه وحده الرب المعبود، والملك المحمود، وأن من عدل عنه إلى عبادة سواه فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا.