وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر [ ص: 1097 ] يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق
(26) يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه، وهو خليل الرحمن، فقال:
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ؛ أي: هيأناه له، وأنزلناه إياه، وجعل قسما من ذريته من سكانه، وأمره الله ببنيانه، فبناه على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وبناه هو وابنه
إسماعيل، وأمره أن لا يشرك به شيئا، بأن يخلص لله أعماله، ويبنيه على اسم الله،
وطهر بيتي ؛ أي: من الشرك والمعاصي، ومن الأنجاس والأدناس، وأضافه الرحمن إلى نفسه؛ لشرفه وفضله، ولتعظم محبته في القلوب، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه، لكونه بيت الرب للطائفين به والعاكفين عنده، المقيمين لعبادة من العبادات من ذكر وقراءة وتعلم علم وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القرب،
والركع السجود ؛ أي: المصلين، أي: طهره لهؤلاء الفضلاء، الذين همهم طاعة مولاهم وخدمته، والتقرب إليه عند بيته، فهؤلاء لهم الحق، ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم. ويدخل في تطهيره تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة، التي تشوش على المتعبدين بالصلاة والطواف. وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة؛ لاختصاصه بهذا
البيت، ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد.
(27)
وأذن في الناس بالحج ؛ أي: أعلمهم به، وادعهم إليه، وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته، فإنك إذا دعوتهم أتوك حجاجا وعمارا،
رجالا أي: مشاة على أرجلهم من الشوق،
وعلى كل ضامر ؛ أي: ناقة ضامر، تقطع المهامه والمفاوز، وتواصل السير حتى تأتي إلى أشرف الأماكن،
من كل فج عميق ؛ أي: من كل بلد بعيد. وقد فعل الخليل - عليه السلام - ثم من بعده ابنه
محمد - صلى الله عليه وسلم - فدعيا الناس إلى حج هذا البيت، وأبديا في ذلك وأعادا، وقد حصل ما وعد الله به، أتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الأرض ومغاربها. (28) ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام، مرغبا فيه فقال:
ليشهدوا منافع [ ص: 1098 ] لهم ؛ أي: لينالوا ببيت الله منافع دينية، من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية من التكسب وحصول الأرباح الدنيوية، وكل هذا أمر مشاهد، كل يعرفه.
ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام : وهذا من المنافع الدينية والدنيوية، أي: ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا؛ شكرا لله على ما رزقهم منها، ويسرها لهم، فإذا ذبحتموها
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ؛ أي: شديد الفقر. (29)
ثم ليقضوا تفثهم ؛ أي: يقضوا نسكهم ويزيلوا الوسخ والأذى، الذي لحقهم في حال الإحرام،
وليوفوا نذورهم التي أوجبوها على أنفسهم، من الحج، والعمرة والهدايا،
وليطوفوا بالبيت العتيق ؛ أي: القديم،
أفضل المساجد على الإطلاق، المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وهذا أمر بالطواف خصوصا بعد الأمر بالمناسك عموما؛ لفضله، وشرفه، ولكونه المقصود، وما قبله وسائل إليه، ولعله - والله أعلم أيضا - لفائدة أخرى، وهو: أن
الطواف مشروع كل وقت، وسواء كان تابعا لنسك أم مستقلا بنفسه.