باب
ما يلزم الإمام أو أميره عند مسيره إلى الغزو ، وفي دار الحرب ( و ) ما يلزم ( الجيش ) إذن ( يلزم كل أحد ) من إمام ورعيته ( إخلاص النية لله تعالى في الطاعات ) كلها من جهاد وغيره . لقوله تعالى : {
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ( و ) يلزم كل أحد ( أن يجتهد ) أي يبذل وسعه ( في ذلك ) أي في إخلاص النية لله في الطاعات ; لأن الواجب لا يتم إلا به .
( و ) يجب ( على إمام عند المسير ) بالجيش ( تعاهد الرجال والخيل ) أي رجال الجيش وخيلهم ; لأنه من مصالح الغزو ( و ) عليه ( منع ما لا يصلح لحرب ) من رجال وخيل . كضعيف وزمن وأعمى وفرس حطيم ، وهو الكسير ، وفخم وهو الكبير ، وضرع وهو الصغير والهزيل .
( و ) عليه منع ( مخذل ) أي مفند للناس عن الغزو ومزهدهم في القتال والخروج إليه . كقائل : الحر أو البرد الشديد ، أو المشقة شديدة ، أو لا تؤمن هزيمة الجيش ( و ) عليه منع ( مرجف ) كمن يقول : هلكت سرية المسلمين ، ولا لهم مدد ، أو طاقة بالكفار ونحوه ( و ) عليه منع ( مكاتب ) كفار ( بأخبارنا ) ليدل العدو على عوراتنا ( و ) عليه منع ( معروف بنفاق وزندقة ) لقوله تعالى : {
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا }
[ ص: 631 ]
( و ) عليه منع ( رام بيننا ) أي المسلمين ( بفتن ) لقوله تعالى {
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } الآية ( و ) عليه منع ( صبي ) ولو مميزا أو مجنونا ; لأن في دخولهما أرض العدو تعرضا للهلاك من غير فائدة ( و ) عليه منع ( نساء ) لأنهن لسن من أهل القتال ولا يؤمن ظفر العدو بهن ، فيستحلون ما حرم الله منهن ( إلا عجوزا لسقي ) ماء ( ونحوه ) كمعالجة جرحى . لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44060كان صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار ، يسقين الماء ويعالجن ويداوين الجرحى } قال
الترمذي : حسن صحيح قال جمع : وامرأة الأمير لحاجته إليها لفعله
صلى الله عليه وسلم ( وتحرم
استعانة بكافر في غزو إلا لضرورة ) لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة متفق عليه وفيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23764فارجع فلن نستعين بمشرك } .
وعن
الزهري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12596أنه صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم } رواه
سعيد . فحمل الثاني ونحوه على الضرورة ، جمعا بين الأخبار . وحيث جاز فشرطه أن يكون حسن الرأي في المسلمين مأمونا ( و ) يحرم
استعانة ( بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين ) من غزو وعمالة ، أو كتابة أو غيرها لعظم الضرر ، لأنهم دعاة يدعون إلى عقائدهم .
واليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم نصا . وتكره
الاستعانة بذمي في ذلك ، وتحرم توليتهم الولايات .
( و ) تحرم
( إعانتهم ) أي أهل الأهواء على عدوهم ( إلا خوفا ) من شرهم . ويسن أن يخرج يوم الخميس . لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34536ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس } ( ويسير بالجيش برفق ) كسير أضعفهم لحديث {
أمير القوم أقطعهم } أي أقلهم سيرا لئلا ينقطع أحد منهم ( إلا لأمر يحدث ) فيجوز ; لأنه صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17657جد بهم في السير حين بلغه قول عبد الله بن أبي : ليخرجن الأعز منها الأذل } لتشتغل الناس عن الخوض فيه ( ويعد لهم ) أي للجيش ( الزاد ) لأنه به قوامهم ( ويحدثهم بأسباب النصر ) فيقول : أنتم أكثر عددا وأشد أبدانا ، وأقوى قلوبا ونحوه ; لأنه إعانة للنفوس على المصابرة ، وأبعث لها على القتال ( ويعرف عليهم العرفاء ) فيجعل لكل جماعة من يكون كمقدم عليهم ، ينظر في حالهم ويتفقدهم ; لأنه صلى الله عليه وسلم {
عرف عام خيبر على كل عشرة عريفا } وورد " العرافة حق " لأن فيها مصلحة .
( ويعقد لهم الألوية . وهي العصابة تعقد على قناة ونحوها ) قال في المطالع : اللواء راية لا يحملها إلا صاحب
[ ص: 632 ] جيش
العرب ، أو صاحب دعوة الجيش ( و ) يعقد لهم ( الرايات وهي أعلام مربعة ) ويجعل لكل طائفة راية . روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2319أن nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان حين أسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=18للعباس احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله تعالى فيراها قال : فحبسته حيث أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم ومرت به القبائل على راياتها } ، ويستحب في الألوية أن تكون بيضاء ; لأن الملائكة إذا نزلت بالنصر نزلت مسومة بها . نقله
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل . وينبغي أن يغاير بين ألوانها ; ليعرف كل قوم رايتهم ( ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب ) لئلا يقع بعضهم على بعض . قال
سلمة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23202غزونا مع أبي بكر زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا أمت أمت . } رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وورد أيضا " حم لا ينصرون " ( ويتخير ) لجيشه ( المنازل ) فينزلهم في أصلحها ( ويحفظ مكامنها ) جمع مكمن ، أي موضع يختفي فيه العدو . وليهجم على عدوه على غفلة لئلا يؤتوا منها ، ( ويتعرف حال العدو ببعث العيون ) إليه ، حتى لا يختفي عليه أمره ، فيتحرز منه ويتمكن من الفرصة فيه ( ويمنع جيشه من محرم ) من إفساد ومعاص ; لأنها أسباب الخذلان ( و ) يمنعهم من ( تشاغل بتجارة ) تمنعهم الجهاد ( ويعد الصابر في القتال بأجر ونفل ) ترغيبا له فيه ، ويخفي من أمره ما أمكن إخفاؤه ، لئلا يعلم عدوه به " وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها " ( ويشاور ذا رأي ) لقوله تعالى : {
وشاورهم في الأمر } وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه . ويستحب للأمير حمل من أصيب فرسه من الجيش ، ولا يجب نصا . فإن خاف تلفه فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : يجب عليه بذل فضل مركوبه لينجي به صاحبه .
( ويصفهم ) أي الجيش فيتراصون لقوله تعالى : {
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } ولأن فيه ربط الجيش بعضه ببعض ( ويجعل في كل جنبة ) من الصف ( كفؤا ) لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29268كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالدا إحدى الجنبتين ، nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير على الأخرى ، وأبا عبيدة على الساقة } ولأنه أحوط للحر وأبلغ في إرهاب العدو ، ويدعو بما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27244كان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال : اللهم إنه عضدي ونصيري ، بك أحول وبك أصول ، وبك أقاتل } رواه
أبو داود وغيره قال في الفروع : وكان غير واحد منهم شيخنا يقول هذا عند قصد مجلس علم
( ولا يميل ) إمام أمير ( مع قريبه ، و ) لا مع ( ذي مذهبه ) لأنه يفسد القلوب ويكسرها ويشتت
[ ص: 633 ] الكلمة فربما خذلوه عند الحاجة إليهم . ويحرم
قتال من لم تبلغه الدعوة قبلها .
وتسن دعوة من بلغته للخبر ( ويجوز أن يجعل ) أمير جعلا ( معلوما ) من مال المسلمين ويجوز ) أن يجعل ( من مال الكفار مجهولا لمن يعمل ما ) أي شيئا ( فيه غناء ) أي نفع للمسلمين ، كنقب سور أو صعود حصن ( أو يدل على طريق ) سهل ( أو على قلعة ) لتفتح ( أو ) على ( ماء ) في مفازة ( ونحوه ) كدلالة على مال يأخذه المسلمون ، أو عدو يغيرون عليه أو ثغرة يدخل منها إليه ; لأنه صلى الله عليه وسلم {
قد استأجر هو وأبو بكر في الهجرة من دلهم على طريق وجعل صلى الله عليه وسلم للسرية الثلث والربع مما غنموه } وهو مجهول لأن الغنيمة كلها مجهول ويستحقه مجهول له بفعل ما جوعل عليه ( بشرط أن يجاوز ) جعل مجهول من مال كفار ( ثلث الغنيمة بعد الخمس ) لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم جعل أكثر منه .
( و ) يجوز أن يعطي ) الأمير ( ذلك بلا شرط ) لمن فعل ما فيه مصلحة للمسلمين ; لأنه ترغيب للجهاد .
( ولو
جعل الأمير له ) أي لمن يفعل ما فيه مصلحة المسلمين ( جارية ) معينة على فتح الحصن ( منهم ) أي من الكفار بالحصن ( فماتت ) قبل فتح الحصن ( فلا شيء له ) لأن حقه تعلق بعينها . وقد تلفت بغير تفريط . فسقط حقه منها كالوديعة ( وإن أسلمت ) الجارية التي جعلت له منهم ( وهي أمة أخذها ) لأنه أمكن الوفاء له بشرطه فوجب ، وسواء أسلمت قبل الفتح أو بعده ( كحرة ) جعلت له ف ( أسلمت بعد فتح ) لاسترقاقها بالاستيلاء فلم تسلم إلا وهي أمة . وكذا حكم رجل من الحصن جوعل عليه ( إلا أن يكون ) المجعول له الجارية ( كافرا ف ) له ( قيمتها ) إن أسلمت لتعذر تسليمها إليه لإسلامها ( كحرة ) جعلت له و ( أسلمت قبل فتح ) لعصمتها نفسها بإسلامها إذن . وإنما لم تجب له القيمة إذا ماتت وتجب إذا أسلمت لإمكان تسليمها مع الإسلام لكن منع منه الشرع ، بخلاف موتها .
( وإن
فتحت ) قلعة جوعل منها بجارية منهم ( صلحا ولم يشترطوها ) أي يشترط المسلمون الجارية على أهل القلعة ( وأبوها ) أي أبى أهل القلعة الجارية ( وأبى ) مجعول له ( أخذ القيمة ) عنها ( فسخ ) الصلح لتعذر إمضائه ، لسبق حق صاحب الجعل وتعذر الجمع بينه وبين الصلح . ولأهل القلعة تحصينها كما كانت بلا زيادة وإن بذلوها مجانا لزم أخذها ودفعها إليه . قال في الفروع : والمراد غير حرة الأصل وقيمتها ( ولأمير في بداءة )
[ ص: 634 ] دخوله دار حرب ( أن ينفل ) أي يزيد على السهم المستحق ( الربع فأقل بعد الخمس . و ) له أن ( ينفل في رجعة ) أي رجوع من دار حرب ( الثلث فأقل بعده ) أي الخمس .
( و ) بيان ( ذلك : أنه إذا دخل ) أمير دار حرب ( بعث سرية تغير ) على العدو ( وإذا رجع ) منها ( بعث ) سرية ( أخرى ) تغير ( فما أتت ) كل سرية ( أخرج خمسه وأعطى السرية ما وجب لها بجعله وقسم الباقي ) بعد الخمس والجعل ( في الكل ) أي الجيش وسراياه . لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=200حبيب بن مسلمة الفهري قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37943شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة } وفي لفظ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28425كان ينفل الربع بعد الخمس إذا قفل } رواهما
أبو داود وللترمذي معناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت مرفوعا وقال حسن غريب . وزيد في الرجعة على البداءة لمشقتها ; لأن الجيش في البداءة ردء عن السرية وفي الرجعة منصرف عنها . والعدو مستيقظ ، ولأنهم مشتاقون إلى أهليهم فيكون أكثر مشقة . ولا يعدل شيء عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد الخروج في السرية مع غلبة السلامة ، لأنه أنكى للعدو .