وأخيرا يختم هذه الفقرة بالكشف عن علة الخوف والفزع والجزع .. إنه الشيطان يحاول أن يجعل أولياءه مصدر خوف ورعب، وأن يخلع عليهم سمة القوة والهيبة.. ومن ثم
ينبغي أن يفطن المؤمنون إلى مكر الشيطان ، وأن يبطلوا محاولته. فلا يخافوا أولياءه هؤلاء، ولا يخشوهم. بل يخافوا الله وحده. فهو وحده القوي القاهر القادر، الذي ينبغي أن يخاف:
إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه. فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .
إن الشيطان هو الذي يضخم من شأن أوليائه ، ويلبسهم لباس القوة والقدرة، ويوقع في القلوب أنهم ذوو حول وطول، وأنهم يملكون النفع والضر.. ذلك ليقضي بهم لباناته وأغراضه، وليحقق بهم الشر في الأرض والفساد، وليخضع لهم الرقاب ويطوع لهم القلوب، فلا يرتفع في وجوههم صوت بالإنكار; ولا يفكر أحد في الانتقاض عليهم، ودفعهم عن الشر والفساد.
والشيطان صاحب مصلحة في أن ينتفش الباطل، وأن يتضخم الشر، وأن يتبدى قويا قادرا قاهرا بطاشا جبارا، لا تقف في وجهه معارضة، ولا يصمد له مدافع، ولا يغلبه من المعارضين غالب.. الشيطان صاحب مصلحة في أن يبدو الأمر هكذا. فتحت ستار الخوف والرهبة، وفي ظل الإرهاب والبطش، يفعل أولياؤه في الأرض ما يقر عينه! يقلبون المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وينشرون الفساد والباطل والضلال، ويخفتون صوت الحق والرشد والعدل، ويقيمون أنفسهم آلهة في الأرض تحمي الشر وتقتل الخير.. دون أن يجرؤ أحد على مناهضتهم والوقوف في وجههم، ومطاردتهم وطردهم من مقام القيادة. بل دون أن يجرؤ أحد على تزييف الباطل الذي يروجون له، وجلاء الحق الذي يطمسونه..
والشيطان ماكر خادع غادر، يختفي وراء أوليائه، وينشر الخوف منهم في صدور الذين لا يحتاطون لوسوسته.. ومن هنا يكشفه الله، ويوقفه عاريا لا يستره ثوب من كيده ومكره. ويعرف المؤمنين الحقيقة:
حقيقة مكره ووسوسته، ليكونوا منها على حذر. فلا يرهبوا أولياء الشيطان ولا يخافوهم. فهم وهو أضعف من أن يخافهم مؤمن يركن إلى ربه، ويستند إلى قوته.. إن القوة الوحيدة التي تخشى وتخاف هي القوة التي تملك النفع والضر . هي قوة الله. وهي القوة التي يخشاها المؤمنون بالله، وهم حين يخشونها وحدها أقوى الأقوياء. فلا تقف لهم قوة في الأرض.. لا قوة الشيطان ولا قوة أولياء الشيطان:
فلا تخافوهم. وخافون إن كنتم مؤمنين ..