في نهاية الدرس الماضي ، ذكر الله المسلمين بميثاقهم الذي واثقهم به ; وذكرهم نعمته التي أنعم بها عليهم في هذا الميثاق . ذلك كي يؤدوا من جانبهم ما استحفظوا عليه ; ويتقوا أن ينقضوا ميثاقهم معه .
فالآن يستغرق هذا الدرس كله في استعراض مواقف أهل الكتاب من مواثيقهم ; واستعراض ما حل بهم من العقاب نتيجة نقضهم لهذه المواثيق ; لتكون هذه - من جانب - تذكرة للجماعة المسلمة ماثلة من بطون التاريخ ، ومن واقع أهل الكتاب قبلهم ، وليكشف الله - من جانب - عن سنته التي لا تتخلف ولا تحابي أحدا . ومن الجانب الثالث ليكشف عن حقيقة أهل الكتاب وحقيقة موقفهم ; وذلك لإبطال كيدهم في الصف المسلم ; وإحباط مناوراتهم ومؤامراتهم ; التي يلبسونها ثوب التمسك بدينهم ; وهم في الحقيقة قد نقضوا هذا الدين من قبل ; ونقضوا ما عاهدوا الله عليه . .
ويحتوى هذا الدرس على استعراض ميثاق الله مع قوم موسى ، عند إنقاذهم من الذل في مصر ; ثم نقضهم لهذا الميثاق ; وما حاق بهم نتيجة نقضهم له ; وما أصابهم من اللعنة والطرد من مجال الهدى والنعمة . . وعلى استعراض ميثاق الله مع الذين قالوا : إنا نصارى . ونتيجة نقضهم له من إغراء العداوة بين فرقهم المختلفة إلى يوم القيامة . ثم على استعراض موقف اليهود أمام الأرض المقدسة التي أعطاهم الله ميثاقه أن يدخلوها ، فنكصوا على أعقابهم وجبنوا عن تكاليف ميثاق الله معهم . وقالوا لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون . .
ويتخلل هذا الاستعراض للمواثيق ومواقف أهل الكتاب منها ، كشف لما وقع في عقائد اليهود والنصارى من انحراف نتيجة نقضهم لهذه المواثيق ; التي عاهدهم الله فيها على توحيده والإسلام له ; في مقابل ما أعطاهم من النعم ، وما ضمن لهم من التمكين ; فأبوا ذلك كله على أنفسهم ; فباءوا باللعنة والفرقة والتشريد . . [ ص: 857 ] كذلك يتضمن دعوتهم من جديد إلى الهدى . . الهدى الذي جاءتهم به الرسالة الأخيرة ; وجاءهم به الرسول الأخير . ودحض ما قد يدعونه من حجة في أنه طال عليهم الأمد ، ومرت بهم فترة طويلة منذ آخر أنبيائهم ، فنسوا ولبس عليهم الأمر . . فها هو ذا قد جاءهم بشير ونذير . فسقطت الحجة ، وقام الدليل .
ومن خلال هذه الدعوة ، تتبين وحدة دين الله - في أساسه - ووحدة ميثاق الله مع جميع عباده : أن يؤمنوا به ، ويوحدوه ، ويؤمنوا برسله دون تفريق بينهم ، وينصروهم ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، وينفقوا في سبيل الله من رزق الله . . فهو الميثاق الذي يقرر العقيدة الصحيحة ، ويقرر العبادة الصحيحة ، ويقرر أسس النظام الاجتماعي الصحيح . .