ويختم هذا النداء بأنه لن تكون لهم حجة عند الله بعد الرسالة الكاشفة المبينة المنيرة ; ولن يكون لهم أن يقولوا : إنه مرت عليهم فترة طويلة بعد الرسالات فنسوا ولبس الأمر عليهم :
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. قل: فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا؟ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء، والله على كل شيء قدير وقالت اليهود والنصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه. قل: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، وإليه المصير يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم - على فترة من الرسل - أن تقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير. فقد جاءكم بشير ونذير. والله على كل شيء قدير . .
لقد
كان أهل الكتاب يستكثرون أن يدعوهم إلى الإسلام نبي ليس منهم . . نبي من الأميين الذين كانوا يتعالون عليهم من قبل ويتعالمون ; لأنهم هم أهل الكتاب وهؤلاء أميون ! فلما أراد الله الكرامة لهؤلاء الأميين بعث منهم خاتم النبيين ، وجعل فيهم الرسالة الأخيرة ، الشاملة للبشر أجمعين . وعلم هؤلاء الأميين ، فإذا هم أعلم أهل الأرض ; وأرقاهم تصورا واعتقادا ; وأقومهم منهجا وطريقا ، وأفضلهم شريعة ونظاما ، وأصلحهم مجتمعا وأخلاقا . . وكان هذا كله من فضل الله عليهم ; ومن إنعامه بهذا الدين وارتضائه لهم . . وما كان للأميين أن يكونوا أوصياء على هذه البشرية لولا هذه النعمة ; وما كان لهم - وليس لهم بعد - من زاد يقدمونه للبشرية إلا ما يزودهم به هذا الدين . .
وفي هذا النداء الإلهي لأهل الكتاب ، يسجل عليهم أنهم مدعوون إلى الإسلام . مدعوون للإيمان بهذا الرسول ونصره وتأييده ، كما أخذ عليهم ميثاقه . ويسجل عليهم شهادته - سبحانه - بأن هذا النبي الأمي هو رسوله إليهم - كما أنه رسول إلى
العرب ، وإلى الناس كافة - فلا مجال لإنكار رسالته من عند الله أولا ; ولا مجال للادعاء بأن رسالته مقتصرة على
العرب ، أو ليست موجهة إلى أهل الكتاب ثانيا :
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا، يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير . .
فهو رسول الله إليكم . ودوره معكم أن يبين لكم ويوضح ويكشف ، ما تواطأتم على إخفائه من حقائق كتاب الله الذي معكم . . سواء في ذلك اليهود والنصارى . . وقد أخفى النصارى الأساس الأول للدين . . التوحيد . . وأخفى اليهود كثيرا من أحكام الشريعة ; كرجم الزاني ، وتحريم الربا كافة . كما أخفوا جميعا خبر بعثة النبي الأمي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . . كما أنه - صلى الله عليه وسلم - يعفو عن
[ ص: 862 ] كثير مما أخفوه أو حرفوه ; مما لم يرد به شرعه . فقد نسخ الله من أحكام الكتب والشرائع السابقة ما لم يعد له عمل في المجتمع الإنساني ، مما كانت له وظيفة وقتية في المجتمعات الصغيرة الخاصة ، التي بعث إليها الرسل من قبل ولفترة محدودة - في علم الله - من الزمان ، قبل أن تجيء الرسالة الشاملة الدائمة ، وتستقر - وقد أكملها الله وأتم بها نعمته ورضيها للناس دينا - فلم يعد فيها نسخ ولا تبديل ولا تعديل .
ويبين لهم طبيعة ما جاء به هذا الرسول ، ووظيفته في الحياة البشرية ، وما قدر الله من أثره في حياة الناس .
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم . .
وليس أدق ولا أصدق ولا أدل على طبيعة هذا الكتاب . . القرآن . . وعلى طبيعة هذا المنهج . . الإسلام . . من أنه "نور " . .
إنها حقيقة يجدها المؤمن في قلبه وفي كيانه وفي حياته وفي رؤيته وتقديره للأشياء والأحداث والأشخاص . . يجدها بمجرد أن يجد حقيقة الإيمان في قلبه . . "نور " نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف . ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم .
ثقلة الطين في كيانه ، وظلمة التراب ، وكثافة اللحم والدم ، وعرامة الشهوة والنزوة . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . تخف الثقلة ، وتشرق الظلمة ، وترق الكثافة ، وترف العرامة . .
واللبس والغبش في الرؤية ، والتأرجح والتردد في الخطوة ، والحيرة والشرود في الاتجاه والطريق البهيم الذي لا معالم فيه . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . يتضح الهدف ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق . .
نور. وكتاب مبين . . وصفان للشيء الواحد . . لهذا الذي جاء به الرسول الكريم . .
يهدي به الله - من اتبع رضوانه - سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
لقد رضي الله الإسلام دينا . . وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما رضيه الله له . . يهديه . .
سبل السلام . .
وما أدق هذا التعبير وأصدقه ; إنه "السلام " هو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلها . . سلام الفرد . وسلام الجماعة . وسلام العالم . . سلام الضمير ، وسلام العقل ، وسلام الجوارح . . سلام البيت والأسرة ، وسلام المجتمع والأمة ، وسلام البشر والإنسانية . . السلام مع الحياة . والسلام مع الكون . والسلام مع الله رب الكون والحياة . . السلام الذي لا تجده البشرية - ولم تجده يوما - إلا في هذا الدين ; وإلا في منهجه ونظامه وشريعته ، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته .
حقا إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه ، من يتبع رضوان الله ،
سبل السلام . . سبل السلام كلها في هذه الجوانب جميعها . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق سبل الحرب في الجاهليات القديمة أو الحديثة . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق حرب القلق الناشئ من عقائد الجاهلية في أعماق الضمير . وحرب القلق الناشئ من شرائع الجاهلية وأنظمتها وتخبطها في أوضاع الحياة .
وقد كان المخاطبون بهذه الكلمات أول مرة يعرفون من تجربتهم في الجاهلية معنى هذا السلام . إذ كانوا يذوقونه مذاقا شخصيا ; ويلتذون هذا المذاق المريح . .
[ ص: 863 ] وما أحوجنا نحن الآن أن ندرك هذه الحقيقة ; والجاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية الويلات . . من كل ألوان الحرب في الضمائر والمجتمعات قرونا بعد قرون !
ما أحوجنا نحن الذين عشنا في هذا السلام فترة من تاريخنا ; ثم خرجنا من السلام إلى الحرب التي تحطم أرواحنا وقلوبنا ، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا ، وتحطم مجتمعاتنا وشعوبنا . . بينما نملك الدخول في السلم التي منحها الله لنا ; حين نتبع رضوانه ; ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا !
إننا نعاني من ويلات الجاهلية ; والإسلام منا قريب . ونعاني من حرب الجاهلية وسلام الإسلام في متناول أيدينا لو نشاء . . فأية صفقة خاسرة هذه التي نستبدل فيها الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟ ونشتري فيها الضلالة بالهدى ؟ ونؤثر فيها الحرب على السلام ؟
إننا نملك إنقاذ البشرية من ويلات الجاهلية وحربها المشبوبة في شتى الصور والألوان . ولكننا لا نملك إنقاذ البشرية ، قبل أن ننقذ نحن أنفسنا ، وقبل أن نفيء إلى ظلال السلام ، حين نفيء إلى رضوان الله ونتبع ما ارتضاه . فنكون من هؤلاء الذين يقول الله عنهم إنه يهديهم سبل السلام .
ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه . .
والجاهلية كلها ظلمات . . ظلمة الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات . وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه . وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس . وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين . والنور هو النور . . هو ذلك النور الذي تحدثنا عنه آنفا في الضمير وفي العقل وفي الكيان وفي الحياة وفي الأمور . .
ويهديهم إلى صراط مستقيم . .
مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها التي تحكمها . مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه التي تصرفه . مستقيم إلى الله لا يلتوي ولا تلتبس فيه الحقائق والاتجاهات والغايات . .
إن الله الذي خلق الإنسان وفطرته ; وخلق الكون ونواميسه ; هو الذي وضع للإنسان هذا المنهج ; وهو الذي رضي للمؤمنين هذا الدين . فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا المنهج إلى الصراط المستقيم . حيث لا يهديهم منهج غيره من صنع البشر العاجزين الجهال الفانين !
وصدق الله العظيم . الغني عن العالمين . الذي لا يناله من هداهم أو ضلالهم شيء ولكنه بهم رحيم !
ذلك هو الصراط المستقيم . فأما القول بأن الله هو
المسيح بن مريم فهو الكفر ، وأما القول بأن اليهود والنصارى هم أبناء الله وأحباؤه ، فهو الافتراء الذي لا يستند إلى دليل . . وهذا وذلك من مقولات أهل الكتاب ، التي تخفي نصاعة التوحيد ; والتي جاءهم الرسول الأخير ليكشف عن الحقيقة فيها ، ويرد الشاردين المنحرفين عن هذه الحقيقة إليها :
لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. قل: فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا؟ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير . .
[ ص: 864 ] إن الذي جاء به
عيسى - عليه السلام - من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل رسول .
والإقرار بالعبودية الخالصة لله شأن كل رسول . . ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت عليها التحريفات ; بسبب دخول الوثنيين في النصرانية ; وحرصهم على رواسب الوثنية التي جاءوا بها ومزجها بعقيدة التوحيد ، حتى لم يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية جوهر العقيدة منها .
ولم تجئ هذه الانحرافات كلها دفعة واحدة ; ولكنها دخلت على فترات ; وأضافتها المجامع واحدة بعد الأخرى ; حتى انتهت إلى هذا الخليط العجيب من التصورات والأساطير ، الذي تحار فيه العقول . حتى عقول الشارحين للعقيدة المحرفة من أهلها المؤمنين بها !
وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد
المسيح - عليه السلام - في تلامذته وفي أتباعهم . وأحد الأناجيل الكثيرة التي كتبت - وهو إنجيل
برنابا - يتحدث عن
عيسى - عليه السلام - بوصفه رسولا من عند الله . ثم وقعت بينهم الاختلافات . فمن قائل : إن
المسيح رسول من عند الله كسائر الرسل . ومن قائل : إنه رسول نعم ولكن له بالله صلة خاصة . ومن قائل : إنه ابن الله لأنه خلق من غير أب ، ولكنه على هذا مخلوق لله . ومن قائل : إنه ابن الله وليس مخلوقا بل له صفة القدم كالأب . .
ولتصفية هذه الخلافات اجتمع في عام 325 ميلادية "مجمع نيقية " الذي اجتمع فيه ثمانية وأربعون ألفا من البطارقة والأساقفة . قال عنهم
ابن البطريق أحد مؤرخي النصرانية :
وكانوا مختلفين في الآراء والأديان . فمنهم من كان يقول : إن
المسيح وأمه إلهان من دون الله . وهم " البربرانية " . . ويسمون : "الريمتيين " . ومنهم من كان يقول : إن
المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار ، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها . وهي مقالة "
سابليوس " وشيعته . ومنهم من كان يقول : لم تحبل به
مريم تسعة أشهر ، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء في الميزاب ، لأن الكلمة دخلت في أذنها ، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها . وهي مقالة "
إليان " وأشياعه . ومنهم من كان يقول : إن
المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره ، وإن ابتداء الابن من
مريم ، وإنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي ، صحبته النعمة الإلهية ، وحلت فيه بالمحبة والمشيئة ، ولذلك سمي "ابن الله " ويقولون : إن الله جوهر قديم واحد ، وأقنوم واحد ، ويسمونه بثلاثة أسماء ، ولا يؤمنون بالكلمة ، ولا بروح القدس . وهي مقالة "
بولس الشمشاطي " بطريرك
أنطاكية وأشياعه وهم "البوليقانيون " . ومنهم من كان يقول : إنهم ثلاثة آلهة لم تزل : صالح ، وطالح ، وعدل بينهما . وهي مقالة " مرقيون " اللعين وأصحابه ! وزعموا أن " مرقيون " هو رئيس الحواريين وأنكروا "
بطرس " . ومنهم من كانوا يقولون بألوهية
المسيح . وهي مقالة "
بولس الرسول " ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا . .
وقد اختار الإمبراطور الروماني "
قسطنطين " الذي كان قد دخل في النصرانية من الوثنية ولم يكن يدري شيئا من النصرانية ! هذا الرأي الأخير وسلط أصحابه على مخالفيهم ، وشرد أصحاب سائر المذاهب ; وبخاصة القائلين بألوهية الأب وحده ، وناسوتية
المسيح .
وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية عن هذا القرار ما نصه :
[ ص: 865 ] "إن الجامعة المقدسة والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجودا فيه . وأنه لم يوجد قبل أن يولد . وأنه وجد من لا شيء . أو من يقول : إن الابن وجد من مادة أو جوهر غير جوهر الله الآب . وكل من يؤمن أنه خلق ، أو من يقول : إنه قابل للتغيير ، ويعتريه ظل دوران " .
ولكن هذا المجمع بقراراته لم يقض على نحلة الموحدين أتباع "
آريوس " وقد غلبت على
القسطنطينية ،
وأنطاكية ،
وبابل ،
والإسكندرية ،
ومصر .
ثم سار خلاف جديد حول "روح القدس " فقال بعضهم : هو إله ، وقال آخرون : ليس بإله ! فاجتمع "مجمع
القسطنطينية الأول " سنة 381 ليحسم الخلاف في هذا الأمر .
وقد نقل
ابن البطريق ما تقرر في هذا المجمع ، بناء على مقالة أسقف
الإسكندرية :
"قال
ثيموثاوس بطريك
الإسكندرية : ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله . وليس روح الله شيئا غير حياته . فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق ، فقد قلنا : إن روح الله مخلوق . وإذا قلنا : إن روح الله مخلوق ، فقد قلنا : إن حياته مخلوقة . وإذا قلنا : إن حياته مخلوقة ، فقد زعمنا أنه غير حي . وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا به . ومن كفر به وجب عليه اللعن " ! ! !
وكذلك تقررت ألوهية روح القدس في هذا المجمع ، كما تقررت ألوهية
المسيح في مجمع نيقية . وتم "الثالوث " من الآب . والابن . وروح القدس . .
ثم ثار خلاف آخر حول اجتماع طبيعة
المسيح الإلهية وطبيعته الإنسانية . . أو اللاهوت والناسوت كما يقولون . . فقد رأى "
نسطور " بطريرك
القسطنطينية أن هناك أقنوما وطبيعة . فأقنوم الألوهية من الآب وتنسب إليه ; وطبيعة الإنسان وقد ولدت من
مريم ،
فمريم أم الإنسان - في
المسيح - وليست أم الإله ! ويقول في
المسيح الذي ظهر بين الناس وخاطبهم ، كما نقله عنه
ابن البطريق :
"إن هذا الإنسان الذي يقول : إنه
المسيح . . بالمحبة متحد مع الابن . . ويقال : إنه الله وابن الله ، ليس بالحقيقة ولكن بالموهبة " . .
ثم يقول : "إن
نسطور ذهب إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن إلها في حد ذاته بل هو إنسان مملوء من البركة والنعمة ، أو هو ملهم من الله ، فلم يرتكب خطيئة ، وما أتى أمرا إدا "
وخالفه في هذا الرأي أسقف
رومه ، وبطريرك
الإسكندرية ، وأساقفة
أنطاكية ، فاتفقوا على عقد مجمع رابع . وانعقد "مجمع أفسس " سنة 431 ميلادية . وقرر هذا المجمع - كما يقول
ابن البطريق :
"أن
مريم العذراء والدة الله . وأن
المسيح إله حق وإنسان ، معروف بطبيعتين ، متوحد في الأقنوم " . . ولعنوا
نسطور !
ثم خرجت كنيسة
الإسكندرية برأي جديد ، انعقد له "مجمع أفسس الثاني " وقرر :
"أن
المسيح طبيعة واحدة ، اجتمع فيها اللاهوت بالناسوت " .
ولكن هذا الرأي لم يسلم ; واستمرت الخلافات الحادة ; فاجتمع مجمع "خلقيدونية " سنة 451 وقرر :
"أن
المسيح له طبيعتان لا طبيعة واحدة . وأن اللاهوت طبيعة وحدها ، والناسوت طبيعة وحدها ، التقتا في
المسيح " . . ولعنوا مجمع
أفسس الثاني !
ولم يعترف المصريون بقرار هذا المجمع . ووقعت بين المذهب المصري "المنوفيسية " والمذهب "الملوكاني "
[ ص: 866 ] الذي تبنته الدولة الإمبراطورية ما وقع من الخلافات الدامية ، التي سبق أن أثبتنا فيها مقالة :
" سير . ت . و . أرنولد " في كتابه "الدعوة إلى الإسلام " في مطالع تفسير سورة آل
عمران . .
ونكتفي بهذا القدر في تصوير مجمل التصورات المنحرفة حول ألوهية
المسيح ; والخلافات الدامية والعداوة والبغضاء التي ثارت بسببها بين الطوائف ، وما تزال إلى اليوم ثائرة . .