يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن [ ص: 887 ] يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
يتناول هذا الدرس أخطر قضية من قضايا العقيدة الإسلامية ، والمنهج الإسلامي . ونظام الحكم والحياة في الإسلام . . وهي القضية التي عولجت في سورتي آل
عمران والنساء من قبل . . ولكنها هنا في هذه السورة تتخذ شكلا محددا مؤكدا ; يدل عليها النص بألفاظه وعباراته ، لا بمفهومه وإيحائه . .
[ ص: 888 ] إنها قضية الحكم والشريعة والتقاضي - ومن ورائها قضية الألوهية والتوحيد والإيمان - والقضية في جوهرها تتلخص في الإجابة على هذا السؤال :
أيكون الحكم والشريعة والتقاضي حسب مواثيق الله وعقوده وشرائعه التي استحفظ عليها أصحاب الديانات السماوية واحدة بعد الأخرى ; وكتبها على الرسل ، وعلى من يتولون الأمر بعدهم ليسيروا على هداهم ؟ أم يكون ذلك كله للأهواء المتقلبة ، والمصالح التي لا ترجع إلى أصل ثابت من شرع الله ، والعرف الذي يصطلح عليه جيل أو أجيال ؟ وبتعبير آخر : أتكون الألوهية والربوبية والقوامة لله في الأرض وفي حياة الناس ؟ أم تكون كلها أو بعضها لأحد من خلقه يشرع للناس ما لم يأذن به الله ؟
الله - سبحانه - يقول : إنه هو الله لا إله إلا هو . وإن شرائعه التي سنها للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له ، وعاهدهم عليها وعلى القيام بها ; هي التي يجب أن تحكم هذه الأرض ، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس ، وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومن بعدهم من الحكام . .
والله - سبحانه - يقول : إنه لا هوادة في هذا الأمر ، ولا ترخص في شيء منه ، ولا انحراف عن جانب ولو صغير . وإنه لا عبرة بما تواضع عليه جيل ، أو لما اصطلح عليه قبيل ، مما لم يأذن به الله في قليل ولا كثير !
والله - سبحانه - يقول : إن المسألة - في هذا كله - مسألة إيمان أو كفر ; أو إسلام أو جاهلية ; وشرع أو هوى . وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح ! فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله - لا يخرمون منه حرفا ولا يبدلون منه شيئا - والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله . وأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان . وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله ، فهم الكافرون الظالمون الفاسقون . وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون . . وإلا فما هم بالمؤمنين . . ولا وسط بين هذا الطريق وذاك ; ولا حجة ولا معذرة ، ولا احتجاج بمصلحة . فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس ; ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية . وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم أو شريعة . وليس لأحد من عباده أن يقول : إنني أرفض شريعة الله ، أو إنني أبصر بمصلحة الخلق من الله . . فإن قالها - بلسانه أو بفعله - فقد خرج من نطاق الإيمان . .
هذه هي القضية الخطيرة الكبيرة التي يعالجها هذا الدرس في نصوص تقريرية صريحة . . ذلك إلى جانب ما يصوره من حال اليهود في
المدينة ، ومناوراتهم ومؤامراتهم مع المنافقين :
من الذين قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم . وما يوجه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمواجهة هذا الكيد الذي لم تكف عنه يهود ، منذ أن قامت للإسلام دولة في
المدينة . .
والسياق القرآني في هذا الدرس يقرر أولا : توافي الديانات التي جاءت من عند الله كلها على تحتيم الحكم بما أنزله الله ; وإقامة الحياة كلها على شريعة الله ; وجعل هذا الأمر مفرق الطريق بين الإيمان والكفر ; وبين الإسلام والجاهلية ; وبين الشرع والهوى . . فالتوراة أنزلها الله فيها هدى ونور : . .
يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ..
وعندهم التوراة فيها حكم الله ..
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس.. . . إلخ . . والإنجيل آتاه الله
عيسى بن مريم ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه . . والقرآن
[ ص: 889 ] أنزله الله على رسوله وقال له :
بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه وقال له:
فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ..
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ..
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ..
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ..
أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ . . وكذلك تتوافى الديانات كلها على هذا الأمر ، ويتعين حد الإيمان وشرط الإسلام ، سواء للمحكومين أو للحكام . . والمناط هو الحكم بما أنزل الله من الحكام ، وقبول هذا الحكم من المحكومين ، وعدم ابتغاء غيره من الشرائع والأحكام . .
والمسألة في هذا الوضع خطيرة ; والتشدد فيها على هذا النحو يستند إلى أسباب لا بد خطيرة كذلك . فما هي يا ترى هذه الأسباب ؟ إننا نحاول أن نتلمسها سواء في هذه النصوص أو في السياق القرآني كله ، فنجدها واضحة بارزة . .
إن الاعتبار الأول في هذه القضية هو أنها قضية الإقرار بألوهية الله وربوبيته وقوامته على البشر - بلا شريك - أو رفض هذا الإقرار . . ومن هنا هي قضية كفر أو إيمان ، وجاهلية أو إسلام . .
. . والقرآن كله معرض بيان هذه الحقيقة . .
إن الله هو الخالق . . خلق هذا الكون ، وخلق هذا الإنسان . وسخر ما في السماوات والأرض لهذا الإنسان . . وهو - سبحانه - متفرد بالخلق ، لا شريك له في كثير منه أو قليل .
وإن الله هو المالك . . بما أنه هو الخالق . .
ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما . . فهو - سبحانه - متفرد بالملك . لا شريك له في كثير منه أو قليل .
وإن الله هو الرازق . . فلا يملك أحد أن يرزق نفسه أو غيره شيئا . لا من الكثير ولا من القليل . .
وإن الله هو صاحب السلطان المتصرف في الكون والناس . . بما أنه هو الخالق المالك الرازق . . وبما أنه هو صاحب القدرة التي لا يكون بدونها خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر . وهو - سبحانه - المتفرد بالسلطان في هذا الوجود .
والإيمان هو الإقرار لله - سبحانه - بهذه الخصائص . الألوهية ، والملك ، والسلطان . . متفردا بها لا يشاركه فيها أحد . والإسلام هو الاستسلام والطاعة لمقتضيات هذه الخصائص . . هو إفراد الله - سبحانه - بالألوهية والربوبية والقوامة على الوجود كله - وحياة الناس ضمنا - والاعتراف بسلطانه الممثل في قدره ; والممثل كذلك في شريعته . فمعنى الاستسلام لشريعة الله هو - قبل كل شيء - الاعتراف بألوهيته وربوبيته وقوامته وسلطانه . ومعنى عدم الاستسلام لهذه الشريعة ، واتخاذ شريعة غيرها في أية جزئية من جزئيات الحياة ، هو - قبل كل شيء - رفض الاعتراف بألوهية الله وربوبيته وقوامته وسلطانه . . ويستوي أن يكون الاستسلام أو الرفض باللسان أو بالفعل دون القول . . وهي من ثم قضية كفر أو إيمان ; وجاهلية أو إسلام . ومن هنا يجيء هذا النص :
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . .
الظالمون . .
الفاسقون .
والاعتبار الثاني هو اعتبار الأفضلية الحتمية المقطوع بها لشريعة الله على شرائع الناس . . هذه الأفضلية التي تشير إليها الآية الأخيرة في هذا الدرس :
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ . .
والاعتراف المطلق بهذه الأفضلية لشريعة الله ، في كل طور من أطوار الجماعة ، وفي كل حالة من حالاتها . . هو كذلك داخل في قضية الكفر والإيمان . . فما يملك إنسان أن يدعي أن شريعة أحد من البشر ، تفضل أو تماثل شريعة الله ، في أية حالة أو في أي طور من أطوار الجماعة الإنسانية . . ثم يدعي - بعد ذلك - أنه مؤمن
[ ص: 890 ] بالله ، وأنه من المسلمين . . إنه يدعي أنه أعلم من الله بحال الناس ; وأحكم من الله في تدبير أمرهم . أو يدعي أن أحوالا وحاجات جرت في حياة الناس ، وكان الله - سبحانه - غير عالم بها وهو يشرع شريعته ; أو كان عالما بها ولكنه لم يشرع لها ! ولا تستقيم مع هذا الادعاء دعوى الإيمان والإسلام . مهما قالها باللسان ! فأما مظاهر هذه الأفضلية فيصعب إدراكها كلها . فإن حكمة شرائع الله لا تنكشف كلها للناس في جيل من الأجيال . والبعض الذي ينكشف يصعب التوسع في عرضه هنا . . في الظلال . . فنكتفي منه ببعض اللمسات : إن شريعة الله تمثل منهجا شاملا متكاملا للحياة البشرية ; يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة الإنسانية في جميع حالاتها ، وفي كل صورها وأشكالها . .
وهو منهج قائم على العلم المطلق بحقيقة الكائن الإنساني ، والحاجات الإنسانية ، وبحقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان ; وبطبيعة النواميس التي تحكمه وتحكم الكينونة الإنسانية . . ومن ثم لا يفرط في شيء من أمور هذه الحياة ; ولا يقع فيه ولا ينشأ عنه أي تصادم مدمر بين أنواع النشاط الإنساني ; ولا أي تصادم مدمر بين هذا النشاط والنواميس الكونية ; إنما يقع التوازن والاعتدال والتوافق والتناسق . . الأمر الذي لا يتوافر أبدا لمنهج من صنع الإنسان الذي لا يعلم إلا ظاهرا من الأمر ; وإلا الجانب المكشوف في فترة زمنية معينة ; ولا يسلم منهج يبتدعه من آثار الجهل الإنساني ولا يخلو من التصادم المدمر بين بعض ألوان النشاط وبعض الهزات العنيفة الناشئة عن هذا التصادم .
وهو منهج قائم على العدل المطلق ; أولا : لأن الله يعلم حق العلم بم يتحقق العدل المطلق وكيف يتحقق . .
وثانيا : لأنه - سبحانه - رب الجميع ; فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع ; وأن يجيء منهجه وشرعه مبرأ من الهوى والميل والضعف - كما أنه مبرأ من الجهل والقصور والغلو والتفريط - الأمر الذي لا يمكن أن يتوافر في أي منهج أو في أي شرع من صنع الإنسان ، ذي الشهوات والميول ، والضعف والهوى - فوق ما به من الجهل والقصور - سواء كان المشرع فردا ، أو طبقة ، أو أمة ، أو جيلا من أجيال البشر . . فلكل حالة من هذه الحالات أهواؤها وشهواتها وميولها ورغباتها ; فوق أن لها جهلها وقصورها وعجزها عن الرؤية الكاملة لجوانب الأمر كله حتى في الحالة الواحدة في الجيل الواحد . .
وهو منهج متناسق مع ناموس الكون كله . لأن صاحبه هو صاحب هذا الكون كله . صانع الكون وصانع الإنسان . فإذا شرع للإنسان شرع له كعنصر كوني ، له سيطرة على عناصر كونية مسخرة له بأمر خالقه ; بشرط السير على هداه ، وبشرط معرفة هذه العناصر والقوانين التي تحكمها . . ومن هنا يقع التناسق بين حركة الإنسان وحركة الكون الذي يعيش فيه ; وتأخذ الشريعة التي تنظم حياته طابعا كونيا ، ويتعامل بها لا مع نفسه فحسب ، ولا مع بني جنسه فحسب ! ولكن كذلك مع الأحياء والأشياء في هذا الكون العريض ، الذي يعيش فيه ، ولا يملك أن ينفذ منه ، ولا بد له من التعامل معه وفق منهاج سليم قويم .
ثم . . إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان . . ففي كل منهج - غير المنهج الإسلامي - يتعبد الناس الناس . ويعبد الناس الناس . وفي المنهج الإسلامي - وحده - يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك . .
إن أخص خصائص الألوهية - كما أسلفنا - هي الحاكمية . . والذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها . فهم عبيده لا عبيد الله ، وهم في دينه لا في دين الله .
[ ص: 891 ] والإسلام حين يجعل الشريعة لله وحده ، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ويعلن تحرير الإنسان . بل يعلن "ميلاد الإنسان " . . فالإنسان لا يولد ، ولا يوجد ، إلا حيث تتحرر رقبته من حكم إنسان مثله ; وإلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعا أمام رب الناس . .
إن هذه القضية التي تعالجها نصوص هذا الدرس هي أخطر وأكبر قضايا العقيدة . . إنها قضية الألوهية والعبودية . قضية العدل والصلاح . قضية الحرية والمساواة . قضية تحرر الإنسان - بل ميلاد الإنسان - وهي من أجل هذا كله كانت قضية الكفر أو الإيمان ، وقضية الجاهلية أو الإسلام . .
والجاهلية ليست فترة تاريخية ; إنما هي حالة توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام . . وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر ، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة . ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد ، أو أهواء طبقة ، أو أهواء أمة ، أو أهواء جيل كامل من الناس . . فكلها . . ما دامت لا ترجع إلى شريعة الله . . أهواء . .
يشرع فرد لجماعة فإذا هي جاهلية . لأن هواه هو القانون . . أو رأيه هو القانون . . لا فرق إلا في العبارات ! وتشرع طبقة لسائر الطبقات فإذا هي جاهلية . لأن مصالح تلك الطبقة هي القانون - أو رأي الأغلبية البرلمانية هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات !
ويشرع ممثلو جميع الطبقات وجميع القطاعات في الأمه لأنفسهم فإذا هي جاهلية . . لأن أهواء الناس الذين لا يتجردون أبدا من الأهواء ، ولأن جهل الناس الذين لا يتجردون أبدا من الجهل ، هو القانون - أو لأن رأي الشعب هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات !
وتشرع مجموعة من الأمم للبشرية فإذا هي جاهلية . لأن أهدافها القومية هي القانون - أو رأي المجامع الدولية هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات !
ويشرع خالق الأفراد ، وخالق الجماعات ، وخالق الأمم والأجيال ، للجميع ، فإذا هي شريعة الله التي لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد . لا لفرد ولا لجماعة ولا لدولة ، ولا لجيل من الأجيال . لأن الله رب الجميع والكل لديه سواء . ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع ، فلا يفوته - سبحانه - أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط .
ويشرع غير الله للناس . . فإذا هم عبيد من يشرع لهم . كائنا من كان . فردا أو طبقة أو أمة أو مجموعة من الأمم . . ويشرع الله للناس . . فإذا هم كلهم أحرار متساوون ، لا يحنون جباههم إلا لله ، ولا يعبدون إلا الله .
ومن هنا خطورة هذه القضية في حياة بني الإنسان ، وفي نظام الكون كله :
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . . فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهاية عن نطاق الإيمان . . بنص القرآن . .