ويمضي السياق في التنفير من موالاتهم بعرض
صفاتهم وسماتهم - بعد عرض تاريخهم وجزائهم - ويجيء التحذير والتوعية منهم بكشف ما يبيتون . . ويبرز اليهود كذلك في الصورة ، لأن الحديث عن وقائع جارية ، ومعظم الشر كان يجيء من قبل يهود :
وإذا جاءوكم قالوا: آمنا. وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به. والله أعلم بما كانوا يكتمون وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان. وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت. لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود: يد الله مغلولة.. غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء - وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله. ويسعون في الأرض فسادا. والله لا يحب المفسدين . .
إنها عبارات تنشئ صورا متحركة ومشاهد حية - على طريقة التعبير القرآنية الفريدة - ومن وراء القرون يملك قارئ هذه الآيات أن يشهد - بعين التصور - هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن من يهود - على الأرجح - فالسياق يتحدث عنهم ، وإن كان من الجائز أنه يعني كذلك بعض المنافقين في المدينة . . يشهدهم يجيئون للمسلمين فيقولون : آمنا . . ويشهد في جعبتهم "الكفر " وهم يدخلون به ويخرجون ; بينما ألسنتهم تقول غير ما في الجعبة من كفر يحملونه داخلين خارجين !
ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض : آمنوا بهذا القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . . أي لعل المسلمين يرجعون عن دينهم بسبب هذه البلبلة والتشكيك الخبيث اللئيم .
والله أعلم بما كانوا يكتمون . .
[ ص: 928 ] يقولها الله - سبحانه - لأنها الحقيقة ; ثم لكي يطمئن المؤمنون إلى كلاءة ربهم لهم ، وحفظهم من كيد عدوهم ; وإحاطته علما بهذا الكيد المكتوم ، ثم ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم ينتهون !