بعد ذلك يأخذ السياق في عرض طرف من تاريخ بني إسرائيل - اليهود - يتجلى فيه كيف أنهم ليسوا على شيء ; ويتبين معه ضرورة تبليغهم الدعوة ، ومخاطبتهم بالإسلام ، ليأووا منه إلى دين الله . ثم لتتبين حقيقتهم التي لم تتغير ; وتنكشف للمسلمين هذه الحقيقة ، فتسقط في أعينهم قيمة يهود ، وتنفر قلوبهم من الولاء لهم والتناصر معهم ، وهم على مثل هذه الحال في أمر الحق والدين :
لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، وأرسلنا إليهم رسلا. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا ألا تكون فتنة. فعموا وصموا، ثم تاب الله عليهم، ثم عموا وصموا - كثير منهم - والله بصير بما يعملون . .
إنه تاريخ قديم ! فليس موقفهم من رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - بالأول ولا بالأخير ! إنهم مردوا على العصيان والإعراض ; ومردوا على النكول عن ميثاق الله ; ومردوا على اتخاذ هواهم إلههم لا
[ ص: 943 ] دين الله ، ولا هدى الرسل ; ومردوا على الإثم والعدوان على دعاة الحق وحملة دعوة الله :
لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون . .
وسجل بني إسرائيل مع أنبيائهم حافل بالتكذيب والإعراض ; حافل بالقتل والاعتداء ! حافل بتحكيم الشهوات والأهواء .
ولعله من أجل ذلك قص الله تاريخ بني إسرائيل على الأمة المسلمة في تفصيل وتطويل . . لعلها تتقي أن تكون كبني إسرائيل ; ولعلها تحذر مزالق الطريق ، أو لعل الواعين منها الموصولين بالله يدركون هذه المزالق ; أو يتأسون بأنبياء بني إسرائيل حين يصادفون ما صادفوا وأجيال من ذراري المسلمين تنتهي إلى ما انتهى إليه بنو إسرائيل ، حين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فتحكم الهوى ; وترفض الهدى ، وتكذب فريقا من الدعاة إلى الحق ، وتقتل فريقا ; كما صنع بغاة بني إسرائيل ، في تاريخهم الطويل !
لقد صنع بنو إسرائيل تلك الآثام كلها ; وهم يحسبون أن الله لن يفتنهم بالبلاء ، ولن يأخذهم بالعقاب . حسبوا هذا الحسبان غفلة منهم عن سنة الله ; وغرورا منهم بأنهم "شعب الله المختار " !
وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا . .
طمس الله على أبصارهم فلا يفقهون مما يرون شيئا ; وطمس على مسامعهم فلا يفيدون مما يسمعون شيئا . .
ثم تاب الله عليهم . .
وأدركهم برحمته . . فلم يرعووا ولم ينتفعوا :
ثم عموا وصموا. كثير منهم.. والله بصير بما يعملون . .
وهو مجازيهم بما يراه ويعلمه من أمرهم . . وما هم بمفلتين . .
ويكفي أن يعرف الذين آمنوا هذا التاريخ القديم عن يهود ، وهذا الواقع الجديد لتنفر قلوبهم المؤمنة من ولائهم ، كما نفر قلب
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ; فلا يتولاهم إلا المنافقون من أمثال
عبد الله بن أبي بن سلول !
ذلك شأن اليهود من أهل الكتاب . . فأما شأن النصارى فيبينه السياق القرآني في حسم وتوكيد يتمشيان مع طبيعة السورة ; وطبيعة الموقف الذي تعالجه . .