صفحة جزء
[ ص: 1998 ] [ ص: 1999 ] بسم الله الرحمن الرحيم

بقية

سورة يوسف

وسورتا الرعد وإبراهيم

الجزء الثالث عشر

[ ص: 2000 ] [ ص: 2001 ] بسم الله الرحمن الرحيم

يتألف هذا الجزء من بقية سورة يوسف المكية، ومن سورتي الرعد وإبراهيم المكيتين أيضا. فهو جزء كامل من القرآن المكي; بكل خصائص القرآن المكي .

فأما سورتا الرعد وإبراهيم فسنعرف بهما - إن شاء الله - في موضعهما. وأما بقية سورة يوسف ، فنرجو أن يراجع قبل قراءتها في هذا الجزء ما سبق من التعريف بالسورة في الجزء الماضي.

إننا نستقبل في هذا الجزء بقية قصة يوسف ، والتعقيبات المباشرة عليها; ثم التعقيبات الأخيرة في السورة.. وكذلك نستقبل فيه مرحلة جديدة من مراحل حياة الشخصية الأساسية في القصة - شخصية يوسف عليه السلام - ومع امتداد هذه الشخصية واستقامتها على المقومات الأساسية لها - تلك التي مر ذكرها في التعريف بشخصيات القصة في التقديم للسورة ، فإننا نجد في هذه المرحلة الجديدة ملامح جديدة تبرز - هي امتداد طبيعي واقعي لنشأة الشخصية وللمرحلة السابقة من حياتها ولكنها مع ذلك ذات طابع مميز..

نجد شخصية يوسف - عليه السلام - وقد استقامت مع نشأتها والأحداث التي مرت بها، والابتلاءات التي اجتازتها، في ظل التربية الربانية للعبد الصالح ، الذي يعد ليمكن له في الأرض، وليقوم بالدعوة إلى دين الله وهو ممكن له في الأرض، وهو قابض على مقاليد الأمور في مركز التموين في الشرق الأوسط!

وأول ملامح هذه المرحلة هذا الاعتزاز بالله، والاطمئنان إليه، والثقة به، والتجرد له، والتعري من كل قيم الأرض، والتحرر من كل أوهاقها، واستصغار شأن القوى المتحكمة فيها، وهو أن تلك القيم وهذه القوى في النفس الموصولة الأسباب بالله - سبحانه وتعالى!

تبدو هذه الظاهرة الواضحة في موقف يوسف ورسول الملك يجيء إليه في سجنه يبلغه رغبة الملك في أن يراه.. فلا يخف يوسف - عليه السلام - لطلب الملك; ولا يتلهف على مغادرة سجنه الظالم المظلم إلى رحاب الملك الذي يرغب في لقائه; ولا تستخفه الفرحة بالخروج من هذا الضيق.

ولا تتجلى هذه الظاهرة - وما وراءها من التغيرات العميقة في الموازين والقيم والمشاعر في نفس يوسف [ ص: 2002 ] الصديق، إلا حين نعود القهقرى بضع سنين، لنجد يوسف يوصي ساقي الملك - وهو يظن أنه ناج - أن يذكره عند ربه.. إن الإيمان هو الإيمان، ولكن هذه هي الطمأنينة. الطمأنينة التي تنكسب في القلب وهو يلابس قدر الله في جريانه.. وهو يرى كيف يتحقق هذا القدر أمام عينيه فعلا.. الطمأنينة التي كان يطلبها جده إبراهيم عليه السلام، وهو يقول لربه: رب أرني كيف تحي الموتى فيسأله ربه - وربه يعلم: - أولم تؤمن؟ فيقول - وربه يعلم حقيقة ما يشعر وما يقول - بلى! ولكن ليطمئن قلبي ..

إنها هي هي الطمأنينة التي تسكبها التربية الربانية في قلوب الصفوة المختارة، بالابتلاء والمعاناة، والرؤية والمشاهدة، والمعرفة والتذوق.. ثم الثقة والسكينة..

وهذه هي الظاهرة الواضحة في كل مواقف يوسف من بعد ، حتى يكون الموقف الأخير في نجائه مع ربه، منخلعا من كل شيء تهفو له النفوس في هذه الأرض: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث. فاطر السماوات والأرض، أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين .

أما التعقيبات التي ترد في نهاية القصة، والتعقيبات العامة في السورة، فقد تحدثنا عنها إجمالا عند تقديم السورة في الجزء الثاني عشر . وسوف نواجهها بالتفصيل في مواضعها من السياق إن شاء الله.. إنما أردنا فقط أن نبرز تلك الظاهرة الجديدة في الشخصية الرئيسية في القصة. ذلك أنها الظاهرة الأساسية التي تتكامل بها صورة الشخصية; كما أنها هي الظاهرة الأساسية التي يحتفل بها سياق القصة وسياق السورة من الناحية الحركية التربوية للمنهج القرآني..

والآن سنواجه النصوص تفصيلا:

التالي السابق


الخدمات العلمية