ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون (102)
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (103)
وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين (104)
وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (105)
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106)
أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (107)
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108)
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون (109)
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين (110)
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (111)
[ ص: 2031 ] انتهت قصة
يوسف لتبدأ التعقيبات عليها. تلك التعقيبات التي أشرنا إليها في مقدمة الحديث عن السورة. وتبدأ معها اللفتات المتنوعة واللمسات المتعددة، والجولات الموحية في صفحة الكون وفي أغوار النفس وفي أثار الغابرين، وفي الغيب المجهول وراء الحاضر المعلوم. فنأخذ في استعراضها حسب ترتيبها في السياق. وهو ترتيب ذو هدف معلوم.
تلك القصة لم تكن متداولة بين القوم الذين نشأ فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم بعث إليهم. وفيها أسرار لم يعلمها إلا الذين لامسوها من أشخاص القصة، وقد غبرت بهم القرون. وقد سبق في مطلع السورة قول الله تعالى لنبيه:
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت من قبله لمن الغافلين ..
فها هو ذا يعقب على القصة بعد تمامها، ويعطف ختامها على مطلعها:
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ..
ذلك القصص الذي مضى في السياق من الغيب الذي لا تعلمه; ولكننا نوحيه إليك وآية وحيه أنه كان غيبا بالقياس إليك. وما كنت معهم إذ اجتمعوا واتفق رأيهم، وهم يمكرون ذلك المكر الذي تحدثت عنه القصة في مواضعه. وهم يمكرون
بيوسف ، وهم يمكرون بأبيهم، وهم يدبرون أمرهم بعد أخذ أخيه وقد خلصوا نجيا وهو من المكر بمعنى التدبير. وكذلك ما كان هناك من مكر
بيوسف من ناحية النسوة ومن ناحية رجال الحاشية وهم يودعونه السجن.. كل أولئك مكر ما كنت حاضره لتحكي عنه إنما هو الوحي الذي سبقت السورة لتثبته من بين ما تثبت من قضايا هذه العقيدة وهذا الدين، وهي متناثرة في مشاهد القصة الكثيرة.