بعد المشاهد الهائلة في آفاق الكون وفي أعماق الغيب، وفي أغوار النفس التي استعرضها شطر السورة الأول، يأخذ الشطر الثاني في لمسات وجدانية وعقلية، وتصويرية دقيقة رفيقة، حول قضية الوحي والرسالة، وقضية التوحيد والشركاء، ومسألة طلب الآيات واستعجال تأويل الوعيد، وهي جولة جديدة حول تلك القضايا في السورة.
وتبدأ هذه الجولة بلمسة في طبيعة الإيمان وطبيعة الكفر، فالأول علم والثاني عمى، وفي طبيعة المؤمنين وطبيعة الكافرين والصفات المميزة لهؤلاء وهؤلاء، يتلوها مشهد من مشاهد القيامة، وما فيها من نعيم للأولين ومن عذاب للآخرين، فلمسة في بسط الرزق وتقديره وردهما إلى الله، فجولة مع القلوب المؤمنة المطمئنة بذكر الله، فوصف لهذا القرآن الذي يكاد يسير الجبال وتقطع به الأرض ويكلم به الموتى.فلمسة بما يصيب الكفار من قوارع تنزل بهم أو تحل قريبا من دارهم؛ فجدل تهكمي حول الآلهة المدعاة؛ فلمسة من مصارع الغابرين ونقص أطراف الأرض منهم حينا بعد حين، يختم هذا كله بتهديد الذين يكذبون برسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتركهم للمصير المعلوم!.
من ذلك نرى أن الإيقاعات والمطارق المتوالية في شطر السورة الأول، تحضر المشاعر وتهيؤها لمواجهة القضايا والمسائل في شطرها الثاني، وهي على استعداد وتفتح لتلقيها; وأن شطري السورة متكاملان; وكل منهما يوقع على الحس طرقاته وإيحاءاته لهدف واحد وقضية واحدة .