وقفنا في الدرس السابق عند استعراض آيات الخالق في خلقه، وفي نعمته على عباده، وفي علمه بالسر والعلن.. بينما الآلهة المدعاة. لا تخلق شيئا، بل هي مخلوقة. ولا تعلم شيئا، بل هي ميتة لا تنتظر لها حياة. وهي لا تعلم متى يبعث عبادها للجزاء! وهذا وذلك قاطع في بطلان عبادتها، وفي بطلان عقيدة الشرك كافة.. وكان هذا هو الشوط الأول في قضية التوحيد في السورة مع إشارة إلى قضية البعث أيضا.
وها نحن أولاء نبدأ في الدرس الجديد من حيث انتهينا في الدرس السابق. نبدأ شوطا جديدا، يفتتح بتقرير وحدة الألوهية، ويعلل عدم إيمان الذين لا يؤمنون بالآخرة بأن قلوبهم منكرة، فالجحود صفة كامنة فيها تصدهم عن الإقرار بالآيات البينات، وهم مستكبرون، فالاستكبار يصدهم عن الإذعان والتسليم..
ويختم بمشهد مؤثر: مشهد الظلال في الأرض كلها ساجدة لله، ومعها ما في السماوات وما في الأرض من دابة، والملائكة، قد برئت نفوسهم من الاستكبار، وامتلأت بالخوف من الله، والطاعة لأمره بلا جدال.. هذا المشهد الخاشع الطائع يقابل صورة المستكبرين المنكرة قلوبهم في مفتتح هذا الشوط الجديد.
وبين المطلع والختام يستعرض السياق مقولات أولئك المستكبرين المنكرين عن الوحي والقرآن، إذ يزعمون أنه أساطير الأولين. ومقولاتهم عن أسباب شركهم بالله وتحريمهم ما لم يحرمه الله، إذ يدعون أن الله أراد منهم الشر وارتضاه. ومقولاتهم عن البعث والقيامة إذ يقسمون جهدهم لا يبعث الله من يموت. ويتولى الرد على مقولاتهم جميعا. ويعرض في ذلك مشاهد احتضارهم ومشاهد بعثهم، وفيها يتبرأون من تلك المقولات الباطلة، كما يعرض بعض مصارع الغابرين من المكذبين أمثالهم، ويخوفهم أخذ الله في ساعة من ليل أو نهار وهم لا يشعرون، وهم في تقلبهم في البلاد، أو وهم على تخوف وتوقع وانتظار للعذاب.. وإلى جوار هذا [ ص: 2167 ] يعرض صورا من مقولات المتقين المؤمنين وما ينتظرهم عند الاحتضار ويوم البعث من طيب الجزاء. وينتهي بذلك المشهد الخاشع الطائع للظلال والدواب والملائكة في الأرض والسماء..
ويجمع السياق بين الإيمان بوحدة الله والإيمان بالآخرة. بل يجعل إحداهما دالة على الأخرى لارتباط عبادة الله الواحد بعقيدة البعث والجزاء. فبالآخرة تتم حكمة الخالق الواحد ويتجلى عدله في الجزاء..