القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة. ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف، وبعدها قصة الجنتين، ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين . ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة، فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية; ومعظم ما يتبقى من آيات السورة هو تعليق أو تعقيب على القصص فيها. وإلى جوار القصص بعض مشاهد القيامة، وبعض [ ص: 2257 ] مشاهد الحياة التي تصور فكرة أو معنى، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير.
أما المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها، ويدور حوله سياقها، فهو تصحيح العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر. وتصحيح القيم بميزان هذه العقيدة.
أما تصحيح منهج الفكر والنظر فيتجلى في استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم، والذين لا يأتون على ما يقولون ببرهان. وفي توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه، وما لا علم له به فليدع أمره إلى الله.
وفي قصة موسى مع العبد الصالح عندما يكشف له عن سر تصرفاته التي أنكرها عليه موسى يقول: رحمة من ربك وما فعلته عن أمري فيكل الأمر فيها لله.
فأما تصحيح القيم بميزان العقيدة، فيرد في مواضع متفرقة، حيث يرد القيم الحقيقية إلى الإيمان والعمل الصالح، ويصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية التي تبهر الأنظار.
وذو القرنين لا يذكر لأنه ملك، ولكن يذكر لأعماله الصالحة. وحين يعرض عليه القوم الذين وجدهم بين السدين أن يبني لهم سدا يحميهم من يأجوج ومأجوج في مقابل أن يعطوه مالا، فإنه يرد عليهم ما عرضوه من المال، لأن تمكين الله له خير من أموالهم قال: ما مكني فيه ربي خير . وحين يتم السد يرد الأمر لله لا لقوته البشرية: قال: هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا .
[ ص: 2259 ] وهكذا نجد محور السورة هو تصحيح العقيدة. وتصحيح منهج الفكر والنظر. وتصحيح القيم بميزان العقيدة.
ويسير سياق السورة حول هذه الموضوعات الرئيسية في أشواط متتابعة:
تبدأ السورة بالحمد لله الذي أنزل على عباده الكتاب للإنذار والتبشير. تبشير المؤمنين وإنذار الذين قالوا: اتخذ الله ولدا; وتقرير أن ما على الأرض من زينة إنما هو للابتلاء والاختبار، والنهاية إلى زوال وفناء.. ويتلو هذا قصة أصحاب الكهف. وهي نموذج لإيثار الإيمان على باطل الحياة وزخرفها، والالتجاء إلى رحمة الله في الكهف، هربا بالعقيدة أن تمس.
ويبدأ الشوط الثاني بتوجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يغفل الغافلين عن ذكر الله.. ثم تجيء قصة الجنتين تصور اعتزاز القلب المؤمن بالله، واستصغاره لقيم الأرض.. وينتهي هذا الشوط بتقرير القيم الحقيقية الباقية.
والشوط الثالث يتضمن عدة مشاهد متصلة من مشاهد القيامة تتوسطها إشارة قصة آدم وإبليس.. وينتهي ببيان سنة الله في إهلاك الظالمين، ورحمة الله وإمهاله للمذنبين إلى أجل معلوم.
وتشغل قصة موسى مع العبد الصالح الشوط الرابع. وقصة ذي القرنين الشوط الخامس.
ثم تختم السورة بمثل ما بدأت: تبشيرا للمؤمنين وإنذارا للكافرين، وإثباتا للوحي وتنزيها لله عن الشريك.