[ ص: 2448 ] [ ص: 2449 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورتا
المؤمنون والنور
الجزء الثامن عشر
[ ص: 2451 ] (23)
سورة المؤمنون مكية
وآياتها ثماني عشرة ومائة
بسم الله الرحمن الرحيم
قد أفلح المؤمنون (1)
الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)
والذين هم عن اللغو معرضون (3)
والذين هم للزكاة فاعلون (4)
والذين هم لفروجهم حافظون (5)
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6)
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8)
والذين هم على صلواتهم يحافظون (9)
أولئك هم الوارثون (10)
الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (11)
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13)
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)
ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15)
ثم إنكم يوم القيامة تبعثون (16)
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين (17)
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)
فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون (19)
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين (20)
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون (21)
وعليها وعلى الفلك تحملون (22)
.
[ ص: 2452 ] هذه سورة "المؤمنون".. اسمها يدل عليها. ويحدد موضوعها.. فهي تبدأ بصفة المؤمنين، ثم يستطرد السياق فيها إلى دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق. ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله - صلوات الله عليهم - من لدن
نوح - عليه السلام - إلى
محمد خاتم الرسل والنبيين; وشبهات المكذبين حول هذه الحقيقة واعتراضاتهم عليها، ووقوفهم في وجهها، حتى يستنصر الرسل بربهم، فيهلك المكذبين، وينجي المؤمنين..
ثم يستطرد إلى اختلاف الناس - بعد الرسل - في تلك الحقيقة الواحدة التي لا تتعدد.. ومن هنا يتحدث عن موقف المشركين من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويستنكر هذا الموقف الذي ليس له مبرر.. وتنتهي السورة بمشهد من مشاهد القيامة يلقون فيه عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، يختم بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران..
فهي سورة "المؤمنون" أو هي سورة الإيمان، بكل قضاياه ودلائله وصفاته. وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل.
ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط:
يبدأ الشوط الأول بتقرير الفلاح للمؤمنين:
قد أفلح المؤمنون .. ويبين صفات المؤمنين هؤلاء الذين كتب لهم الفلاح.. ويثني بدلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، فيعرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا متوسعا في عرض أطوار الجنين، مجملا في عرض المراحل الأخرى.. ثم يتابع خط الحياة البشرية إلى البعث يوم القيامة.. وبعد ذلك ينتقل من الحياة الإنسانية إلى الدلائل الكونية:
في خلق السماء، وفي إنزال الماء، وفي إنبات الزرع والثمار. ثم إلى الأنعام المسخرة للإنسان; والفلك التي يحمل عليها وعلى الحيوان.
فأما الشوط الثاني فينتقل من دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق إلى حقيقة الإيمان. حقيقته الواحدة التي توافق عليها الرسل دون استثناء:
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .. قالها
نوح - عليه السلام - وقالها كل من جاء بعده من الرسل، حتى انتهت إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان اعتراض المكذبين دائما:
ما هذا إلا بشر مثلكم! ..
ولو شاء الله لأنزل ملائكة .. وكان اعتراضهم كذلك:
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون؟ .. وكانت العاقبة دائما أن يلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره، وأن يستجيب الله لرسله، فيهلك المكذبين.. وينتهي الشوط بنداء للرسل جميعا:
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم، وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون .
والشوط الثالث يتحدث عن تفرق الناس - بعد الرسل - وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة. التي جاءوا بها:
فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون . وعن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع. بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائموا الخوف والحذر
وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون .. وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا هم يجأرون; فيأخذهم التوبيخ والتأنيب:
قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون، مستكبرين به سامرا تهجرون .. ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه; وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا. فماذا ينكرون منه ومن
[ ص: 2453 ] الحق الذي جاءهم به؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولدا سبحانه! ويشركون به آلهة أخرى
فتعالى عما يشركون .
والشوط الأخير يدعهم وشركهم وزعمهم; ويتوجه بالخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع السيئة بالتي هي أحسن ، وأن يستعيذ بالله من الشياطين، فلا يغضب ولا يضيق صدره بما يقولون..
وإلى جوار هذا مشهد من مشاهد القيامة يصور ما ينتظرهم هناك من عذاب ومهانة وتأنيب.. وتختم السورة بتنزيه الله سبحانه:
فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم . وبنفي الفلاح عن الكافرين في مقابل تقرير الفلاح في أول السورة للمؤمنين:
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون . وبالتوجه إلى الله طلبا للرحمة والغفران:
وقل: رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين .
جو السورة كلها هو جو البيان والتقرير، وجو الجدل الهادئ، والمنطق الوجداني، واللمسات الموحية للفكر والضمير. والظل الذي يغلب عليها هو الظل الذي يلقيه موضوعها.. الإيمان.. ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة:
الذين هم في صلاتهم خاشعون . وفي صفات المؤمنين في وسطها:
والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون .. وفي اللمسات الوجدانية:
وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون .
وكلها مظللة بذلك الظل الإيماني اللطيف.