ولوطا إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون؟ أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء؟ بل أنتم قوم تجهلون ..
عجب في عبارته الأولى من إتيانهم هذه الفاحشة، وهم يبصرون الحياة في جميع أنواعها وأجناسها تجري على نسق الفطرة، وهم وحدهم الشواذ في وسط الحياة والأحياء، وصرح في عبارته الثانية بطبيعة تلك الفاحشة، ومجرد الكشف عنها يكفي لإبراز شذوذها وغرابتها لمألوف البشرية، ولمألوف الفطرة جميعا؛ ثم دمغهم بالجهل بمعنييه: الجهل بمعنى فقدان العلم، والجهل بمعنى السفه والحمق. وكلا المعنيين متحقق في هذا الانحراف البغيض، فالذي لا يعرف منطق الفطرة يجهل كل شيء، ولا يعلم شيئا أصلا؛ والذي يميل هذا الميل عن الفطرة سفيه أحمق معتد على جميع الحقوق!
فماذا كان جواب قوم
لوط على هذا الاستنكار للانحراف، وهذا التوجيه إلى وحي الفطرة السليمة؟
[ ص: 2648 ] كان جوابهم في اختصار أن هموا بإخراج
لوط ومن سمع دعوته وهم أهل بيته - إلا امرأته - بحجة أنهم أناس يتطهرون!
فما كان جواب قومه إلا أن قالوا : أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون .
وقولهم هذا قد يكون تهكما بالتطهر من هذا الرجس القذر؛ وقد يكون إنكارا عليه أن يسمى هذا تطهرا، فهم من انحراف الفطرة بحيث لا يستشعرون ما في ميلهم المنحرف من قذارة، وقد يكون ضيقا بالطهر والتطهر إذا كان يكلفهم الإقلاع عن ذلك الشذوذ!!
على أية حال لقد هموا همهم، وحزموا أمرهم؛ وأراد الله غير ما كانوا يريدون:
فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين . وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ..
ولا يذكر تفصيلات هنا عن هذا المطر المهلك كما وردت تفصيلاته في السور الأخرى؛ فنكتفي نحن بهذا مجاراة للسياق. ولكننا نلمح في اختيار هلاك قوم
لوط بالمطر، وهو الماء المحيي المنبت أنه مماثل لاستخدامهم ماء الحياة - ماء النطف - في غير ما جعل له وهو أن يكون مادة حياة وخصب.. والله أعلم بقوله ومراده، وأعلم بسننه وتدبيره. وإن هو إلا رأي أراه في هذا التدبير.
[ ص: 2649 ] انتهى الجزء التاسع عشر ويليه الجزء العشرون مبدوءا بقوله تعالى
:"قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " .