ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ..
فالليل سكينة وقرار، والنهار نشاط وعمل، والمتجه فيه إلى فضل الله، فما يعطي الناس شيئا إلا من فضله
ولعلكم تشكرون ما يسره الله لكم من نعمة ومن رحمة، وما دبره لكم واختاره من توالي الليل والنهار، ومن كل سنن الحياة التي لم تختاروها، ولكن اختارها الله عن رحمة وعن علم وعن حكمة تغفلون عنها لطول الإلف والتكرار.
ويختم هذه الجولات بمشهد سريع من مشاهد القيامة يسألهم فيه سؤال استنكار عما زعموا من شركاء، ويقفهم
[ ص: 2709 ] وجها لوجه أمام أباطيلهم المدعاة، حيث تتذاوب وتتهاوى في موقف السؤال والحساب:
ويوم يناديهم فيقول: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا: هاتوا برهانكم. فعلموا أن الحق لله، وضل عنهم ما كانوا يفترون ..
وتصوير يوم النداء، وما فيه من سؤال عن الشركاء، قد سبق في جولة ماضية، فهو يعاد هنا لتوكيده وتثبيته بمناسبة المشهد الجديد الذي يعرض هنا، مشهد نزع شهيد من كل أمة، وهو نبيها الذي يشهد بما أجابته وما استقبلت به رسالته، والنزع حركة شديدة، والمقصود إقامته وإبرازه وإفراده من بينهم ليشهده قومه جميعا وليشهد قومه جميعا. وفي مواجهة هذا الشاهد يطلب منهم برهانهم على ما اعتقدوا وما فعلوا، وليس لديهم برهان ولا سبيل لهم يومئذ إلى المكابرة:
فعلموا أن الحق لله .. الحق كله خالصا لا شبهة فيه ولا ريبة.
وضل عنهم ما كانوا يفترون .. من شرك ومن شركاء، فما هو بواجدهم وما هم بواجديه! في وقت حاجتهم إليه في موقف الجدل والبرهان!
بهذا تنتهي التعقيبات على قصة
موسى وفرعون، وقد طوفت بالنفوس والقلوب في تلك الآفاق والعوالم والأحداث والمشاهد، وردتها من الدنيا إلى الآخرة، ومن الآخرة إلى الدنيا، وطوفت بها في جنبات الكون وفي أغوار النفس، وفي مصارع الغابرين، وفي سنن الكون والحياة، متناسقة كلها مع محور السورة الأصيل، ومع القصتين الرئيسيتين في السورة: قصة
موسى وفرعون، وقصة
قارون، وقد مضت الأولى. فلنستعرض الثانية بعد تلك التعقيبات وهذه الجولات.