صفحة جزء
[ ص: 2725 ] ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14) فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين (15) وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (16) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون (17) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين (18) أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير (19) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير (20) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون (21) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (22) والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم (23) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (24) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين (25) فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم (26) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (27) ولوطا إذ قال لقومه .إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (28) أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين (29) قال رب انصرني على القوم المفسدين (30) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين (31) [ ص: 2726 ] قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (32) ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين (33) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (34) ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون (35) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين (36) فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (7) وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين (38) وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين (39) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (40) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون (41) إن الله يعلم ما يدعون من .دونه من شيء وهو العزيز الحكيم (42) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43) خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين (44) اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون (45)

انتهى الشوط الأول بالحديث عن سنة الله في ابتلاء الذين يختارون كلمة الإيمان، وفتنتهم حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين. وقد أشار إلى الفتنة بالأذى، والفتنة بالقرابة، والفتنة بالإغواء والإغراء.

وفي هذا الشوط يعرض نماذج من الفتن التي اعترضت دعوة الإيمان في تاريخ البشرية الطويل من لدن نوح [ ص: 2727 ] عليه السلام، يعرضها ممثلة فيما لقيه الرسل حملة دعوة الله منذ فجر البشرية، مفصلا بعض الشيء في قصة إبراهيم ولوط، مجملا فيما عداها.

وفي هذا القصص تتمثل ألوان من الفتن، ومن الصعاب والعقبات في طريق الدعوة.

ففي قصة نوح - عليه السلام - تتبدى ضخامة الجهد وضآلة الحصيلة، فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم لم يؤمن له إلا القليل فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ..

وفي قصة إبراهيم مع قومه يتبدى سوء الجزاء وطغيان الضلال، فقد حاول هداهم ما استطاع وجادلهم بالحجة والمنطق: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو حرقوه .

وفي قصة لوط يتبدى تبجح الرذيلة واستعلانها، وسفورها بلا حياء ولا تحرج، وانحدار البشرية إلى الدرك الأسفل من الانحراف والشذوذ; مع الاستهتار بالنذير: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ..

وفي قصة شعيب مع مدين يتبدى الفساد والتمرد على الحق والعدل، والتكذيب: فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين .

وتذكر الإشارة إلى عاد وثمود بالاعتزاز بالقوة والبطر بالنعمة.

كما تذكر الإشارة إلى قارون وفرعون وهامان بطغيان المال، واستبداد الحكم، وتمرد النفاق.

ويعقب على هذا القصص بمثل يضربه لهوان القوى المرصودة في طريق دعوة الله، وهي مهما علت واستطالت كمثل العنكبوت اتخذت بيتا. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون .

وينتهي هذا الشوط بدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتلو الكتاب، وأن يقيم الصلاة، وأن يدع الأمر بعد ذلك لله والله يعلم ما تصنعون ..

ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون. فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ..

والراجح أن فترة رسالته التي دعا فيها قومه كانت ألف سنة إلا خمسين عاما، وقد سبقتها فترة قبل الرسالة غير محددة، وأعقبتها فترة كذلك بعد النجاة من الطوفان غير محددة، وهو عمر طويل مديد، يبدو لنا الآن غير طبيعي ولا مألوف في أعمار الأفراد، ولكننا نتلقاه من أصدق مصدر في هذا الوجود - وهذا وحده برهان صدقه - فإذا أردنا له تفسيرا فإننا نستطيع أن نقول: إن عدد البشرية يومذاك كان قليلا ومحدودا، فليس ببعيد أن يعوض الله هذه الأجيال عن كثرة العدد طول العمر، لعمارة الأرض وامتداد الحياة؛ حتى إذا تكاثر الناس وعمرت الأرض لم يعد هناك داع لطول الأعمار، وهذه الظاهرة ملحوظة في أعمار كثير من الأحياء، فكلما قل العدد وقل النسل طالت الأعمار، كما في النسور وبعض الزواحف كالسلحفاة. حتى ليبلغ عمر بعضها مئات الأعوام، بينما الذباب الذي يتوالد بالملايين لا تعيش الواحدة منه أكثر من أسبوعين، والشاعر يعبر عن هذه الظاهرة بقوله:


بغاث الطير أكثرها فراخا .. وأم الصقر مقلاة نزور



[ ص: 2728 ] ومن ثم يطول عمر الصقر، وتقل أعمار بغاث الطير، ولله الحكمة البالغة، وكل شيء عنده بمقدار، ولم تثمر ألف سنة إلا خمسين عاما غير العدد القليل الذين آمنوا لنوح، وجرف الطوفان الكثرة العظمى وهم ظالمون بكفرهم وجحودهم وإعراضهم عن الدعوة المديدة، ونجا العدد القليل من المؤمنين، وهم أصحاب السفينة، ومضت قصة الطوفان والسفينة آية للعالمين تحدثهم عن عاقبة الكفر والظلم على مدار القرون.

التالي السابق


الخدمات العلمية