[ ص: 2770 ] يمضي هذا الشوط من السورة في مجالها الأصيل. المجال الكوني العام الذي ترتبط به أقدار الناس وأقدار الأحداث، والذي تتناسق فيه سنن الحياة وسنن الكون وسنن الدين القيم بلا تعارض ولا اصطدام.
وفي هذا الشوط يرسم صورة لتقلب الأهواء البشرية أمام ثبات السنن، ووهن عقائد الشرك أمام قوة الدين القيم. ويصور نفوس البشر في السراء والضراء وعند قبض الرزق وبسطه، وهي تضطرب في تقديراتها وتصوراتها ما لم تستند إلى ميزان الله الذي لا يضطرب أبدا، وما لم ترجع إلى قدر الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وبمناسبة الرزق يوجههم إلى الطريقة التي تنمي المال وتزكيه. الطريقة المتفقة مع النهج القيم والطريق الواصل. ويردهم بهذا إلى معرفة الخالق الرازق الذي يميت ويحيي. أما الشركاء الذين يتخذونهم من دون الله فماذا يفعلون؟ وينبههم إلى الفساد الذي تنشئه عقيدة الشرك في كل مكان. كما يوجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين إلى الاستقامة على منهجهم القيم. قبل أن يأتي اليوم الذي لا عمل فيه ولا كسب، ولكن حساب وجزاء عما كانوا يعملون. وفي معرض الحديث عن رزق الله يوجه قلوبهم إلى أنماط من هذا الرزق. منها ما يتعلق بحياتهم المادية كالماء النازل من السماء الذي يحيي الأرض بعد موتها. وتجري الفلك فيه بأمره. ومنها تلك الآيات البينات التي تنزل على الرسول لإحياء موات القلوب والنفوس، ولكنهم لا يهتدون ولا يسمعون. ويطوف بهم في جولة مع أطوار نشأتهم وحياتهم حتى ينتهوا إلى خالقهم، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون.. ويختم هذا الشوط بتثبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه إلى الصبر حتى يتحقق وعد الله الحق اليقين.