ثم يستطرد في عرض دلائل القدرة وتبسيط قضية الخلق والإعادة للبشر أجمعين:
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم؟ بلى وهو الخلاق العليم ..
[ ص: 2978 ] والسماوات والأرض خلق عجيب هائل دقيق، هذه الأرض التي نعيش عليها ويشاركنا ملايين الأجناس والأنواع، ثم لا نبلغ نحن شيئا من حجمها، ولا شيئا من حقيقتها، ولا نعلم عنها حتى اليوم إلا القليل، هذه الأرض كلها تابع صغير من توابع الشمس التي تعيش أرضنا الصغيرة على ضوئها وحرارتها.وهذه الشمس واحدة من مائة مليون في المجرة الواحدة التي تتبعها شمسنا، والتي تؤلف دنيانا القريبة! وفي الكون مجرات أخرى كثيرة، أو دنيات كدنيانا القريبة. عد الفلكيون حتى اليوم منها مائة مليون مجرة بمناظيرهم المحدودة، وهم في انتظار المزيد كلما أمكن تكبير المناظير والمراصد، وبين مجرتنا أو دنيانا والمجرة التالية لها نحو خمسين وسبع مائة ألف سنة ضوئية (السنة الضوئية تقدر بستة وعشرين مليون مليون من الأميال!) . وهناك كتل ضخمة من السدم التي يظن أنه من نثارها كانت تلك الشموس، وهذا هو الجزء الذي يدخل في دائرة معارفنا الصغيرة المحدودة!.
تلك الشموس التي لا يحصيها العد، لكل منها فلك تجري فيه، ولمعظمها توابع ذات مدارات حولها كمدار الأرض حول الشمس، وكلها تجري وتدور في دقة وفي دأب، لا تتوقف لحظة ولا تضطرب، وإلا تحطم الكون المنظور واصطدمت هذه الكتل الهائلة السابحة في الفضاء الوسيع..
هذا الفضاء الذي تسبح فيه تلك الملايين التي لا يحصيها العد، كأنها ذرات صغيرة، لا نحاول تصويره ولا تصوره، فذلك شيء يدير الرؤوس!.
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم؟ .
وأين الناس من ذلك الخلق الهائل العجيب؟
بلى! وهو الخلاق العليم ..
ولكن الله - سبحانه - يخلق هذا وذلك ويخلق غيرهما بلا كلفة ولا جهد، ولا يختلف بالقياس إليه خلق الكبير وخلق الصغير:
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن. فيكون .
يكون هذا الشيء سماء أو أرضا، ويكون بعوضة أو نملة، هذا وذلك سواء أمام الكلمة "كن".. فيكون!.
ليس هناك صعب ولا سهل، وليس هنالك قريب ولا بعيد، فتوجه الإرادة لخلق الشيء كاف وحده لوجوده كائنا ما يكون، إنما يقرب الله للبشر الأمور ليدركوها بمقياسهم البشري المحدود.
وعند هذا المقطع يجيء الإيقاع الأخير في السورة، الإيقاع المصور لحقيقة العلاقة بين الوجود وخالق الوجود:
فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء. وإليه ترجعون ..
ولفظة "ملكوت" بصياغتها هذه تضخم وتعظم حقيقة هذه العلاقة، علاقة الملكية المطلقة لكل شيء في الوجود. والسيطرة القابضة على كل شيء من هذا المملوك.
ثم إن إليه وحده المرجع والمصير.
إنه الإيقاع الختامي المناسب لهذه الجولة الهائلة، وللسورة كلها، ولموضوعاتها المتعلقة بهذه الحقيقة الكبيرة، التي يندرج فيها كل تفصيل.