صفحة جزء
إنهم ألفوا آباءهم ضالين (69) فهم على آثارهم يهرعون (70) ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين (71) ولقد أرسلنا فيهم منذرين (72) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين (73) إلا عباد الله المخلصين (74) ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون (75) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم (76) وجعلنا ذريته هم الباقين (77) وتركنا عليه في الآخرين (78) سلام على نوح في العالمين (79) إنا كذلك نجزي المحسنين (80) إنه من عبادنا المؤمنين (81) ثم أغرقنا الآخرين (82) وإن من شيعته لإبراهيم (83) إذ جاء ربه بقلب سليم (84) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون (85) أإفكا آلهة دون الله تريدون (86) فما ظنكم برب العالمين (87) فنظر نظرة في النجوم (88) فقال إني سقيم (89) فتولوا عنه مدبرين (90) فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون (91) ما لكم لا تنطقون (92) فراغ عليهم ضربا باليمين (93) فأقبلوا إليه يزفون (94) قال أتعبدون ما تنحتون (95) والله خلقكم وما تعملون (96) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم (97) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين (98) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين (99) رب هب لي من الصالحين (100) فبشرناه بغلام حليم (101) فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (102) فلما أسلما وتله للجبين (103) وناديناه أن يا إبراهيم (104) قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين (105) إن هذا لهو البلاء المبين (106) وفديناه بذبح عظيم (107) وتركنا عليه في الآخرين (108) [ ص: 2990 ] سلام على .إبراهيم (109) كذلك نجزي المحسنين (110) إنه من عبادنا المؤمنين (111) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين (112) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين (113) ولقد مننا على موسى وهارون (114) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم (115) ونصرناهم فكانوا هم الغالبين (116) وآتيناهما الكتاب المستبين (117) وهديناهما الصراط المستقيم (118) وتركنا عليهما في الآخرين (119) سلام على موسى وهارون (120) إنا كذلك نجزي المحسنين (121) إنهما من عبادنا المؤمنين (122) وإن إلياس لمن المرسلين (123) إذ قال لقومه ألا تتقون (124) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين (125) الله ربكم ورب آبائكم الأولين (126) فكذبوه فإنهم لمحضرون (127) إلا عباد الله المخلصين (128) وتركنا عليه في الآخرين (129) سلام على إل ياسين (130) إنا كذلك نجزي المحسنين (131) إنه من عبادنا المؤمنين (132) وإن لوطا لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين (134) إلا عجوزا في الغابرين (135) ثم دمرنا الآخرين (136) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137) وبالليل أفلا تعقلون (138) وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين (141) فالتقمه الحوت وهو مليم (142) فلولا أنه كان من المسبحين (143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (144) فنبذناه بالعراء وهو سقيم (145) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين (146) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون (147) فآمنوا فمتعناهم إلى حين (148)

في هذا الدرس يعود السياق من الجولة الأولى في ساحة الآخرة، وفي مجالي النعيم ودارات العذاب، يعود ليستأنف جولة أخرى في تاريخ البشر مع آثار الذاهبين الأولين، يعرض فيها قصة الهدى والضلال منذ فجر البشرية الأولى;فإذا هي قصة مكرورة معادة; وإذا القوم الذين يواجهون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة بالكفر والضلال بقية من أولئك المكذبين الضالين.ويكشف لهؤلاء عما جرى لمن كان قبلهم، ويلمس قلوبهم بهذه الصفحات المطوية في بطون التاريخ، ويطمئن المؤمنين برعاية الله التي لم تتخل في الماضي عن المؤمنين.

[ ص: 2991 ] وفي هذا السياق يستعرض طرفا من قصص نوح، وإبراهيم، وإسماعيل وإسحاق!، وموسى وهارون، وإلياس، ولوط، ويونس. ويقف وقفة أطول أمام قصة إبراهيم وإسماعيل. يعرض فيها عظمة الإيمان والتضحية والطاعة، وطبيعة الإسلام الحقيقية كما هي في نفسي إبراهيم وإسماعيل، في حلقة لا تعرض في غير هذه السورة، ولا ترد إلا في هذا السياق.وهذا القصص هو قوام هذا الدرس الأصيل..

إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون. ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين. ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. إلا عباد الله المخلصين ..

إنهم عريقون في الضلالة، وهم في الوقت ذاته مقلدون لا يفكرون ولا يتدبرون; بل يطيرون معجلين يقفون خطى آبائهم الضالين غير ناظرين ولا متعقلين:

إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون ..

وهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها أكثر الأولين:

ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين .

وكان ضلالهم بعد الإنذار والتحذير:

ولقد أرسلنا فيهم منذرين ..

ولكن كيف كانت العاقبة؟ كيف كانت عاقبة المكذبين؟ وكيف كانت عاقبة عباد الله المخلصين؟ إنها معروضة في سلسلة القصص، وهذا الإعلان في مقدمتها للتنبيه:

فانظر كيف كان عاقبة المنذرين، إلا عباد الله المخلصين ..

ويبدأ بقصة نوح في إشارة سريعة تبين العاقبة، وتقرر عناية الله بعباده المخلصين:

ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون. ونجيناه وأهله من الكرب العظيم. وجعلنا ذريته هم الباقين. وتركنا عليه في الآخرين، سلام على نوح في العالمين. إنا كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. ثم أغرقنا الآخرين .

وتتضمن هذه الإشارة توجه نوح بالنداء إلى ربه، وإجابة دعوته إجابة كاملة وافية. إجابتها من خير مجيب.

الله سبحانه. فلنعم المجيبون . وتتضمن نجاته هو وأهله من الكرب العظيم، كرب الطوفان الذي لم ينج منه إلا من أراد له الله النجاة وقدر له الحياة، وتتضمن قدر الله بأن يجعل من ذرية نوح عمارا لهذه الأرض وخلفاء، وأن يبقى ذكره في الأجيال الآتية إلى آخر الزمان: وتركنا عليه في الآخرين ... وتعلن في الخافقين سلام الله على نوح. جزاء إحسانه: سلام على نوح في العالمين. إنا كذلك نجزي المحسنين .. وأي جزاء بعد سلام الله، والذكر الباقي مدى الحياة! أما مظهر الإحسان وسبب الجزاء فهو الإيمان: إنه من عبادنا المؤمنين .. وهذه هي عاقبة المؤمنين، فأما غير المؤمنين من قوم نوح فقد كتب الله عليهم الهلاك والفناء: ثم أغرقنا الآخرين .. ومضت سنة الله منذ فجر البشرية البعيد، وفق ذلك الإجمال في مقدمة القصص: ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. إلا عباد الله المخلصين ..

ثم تجيء قصة إبراهيم، تجيء في حلقتين رئيسيتين: حلقة دعوته لقومه، وتحطيم الأصنام، وهمهم به [ ص: 2992 ] ليقتلوه، وحماية الله له وخذلان شانئيه - وهي حلقة تكررت من قبل في سور القرآن - وحلقة جديدة لا تعرض في غير هذه السورة، وهي الخاصة بحادث الرؤيا والذبح والفداء، مفصلة المراحل والخطوات والمواقف، في أسلوبها الأخاذ وأدائها الرهيب! ممثلة أعلى صور الطاعة والتضحية والفداء والتسليم في عالم العقيدة في تاريخ البشرية الطويل.

التالي السابق


الخدمات العلمية