باب المكاتبة
قال الله تعالى :
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء قال : ( ما أراه إلا واجبا ) ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : ( أنه أمر
nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا بأن يكاتب
سيرين أبا محمد بن سيرين فأبى فرفع عليه الدرة وضربه وقال : فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، وحلف عليه ليكاتبنه ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك : ( إن كان للمملوك مال فعزيمة على مولاه أن يكاتبه ) .
وروى
الحجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء قال : ( إن شاء كاتب وإن شاء لم يكاتب إنما هو تعليم ) ، وكذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : هذا ترغيب عند عامة أهل العلم وليس بإيجاب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=31477لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ، وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في قصة
سيرين دل على ذلك أيضا ؛ لأنها لو كانت واجبة لحكم بها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عليه ولم يكن يحتاج أن يحلف على
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس لمكاتبته ولم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أيضا يمتنع من شيء واجب عليه .
فإن قيل : لو لم يكن يراها واجبة لما رفع عليه الدرة ولم يضربه . قيل : لأن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كان كالوالد المشفق للرعية ، فكان يأمرهم بما لهم فيه الحظ في الدين وإن لم يكن واجبا على وجه التأديب والمصلحة . ويدل على أنها ليست على الوجوب أنه موكول إلى غالب ظن المولى أن فيهم خيرا ، فلما كان المرجع فيه للمولى لم يلزمه الإجبار عليه .
وقوله :
إن علمتم فيهم خيرا روى
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم :
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا إن علمتم لهم حرفة ولا تدعوهم كلا على الناس . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء :
إن علمتم فيهم خيرا قال : ( ما نراه إلا المال ) ثم تلا قوله تعالى :
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا قال : ( الخير المال فيما نرى ) ، قال : وبلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني بالخير المال .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
عبيدة إن علمتم فيهم خيرا قال : ( إذا صلى ) . وعن
إبراهيم ( وفاء وصدقا ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ( مالا ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : ( صلاحا في الدين ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : الأظهر أنه أراد الصلاح ، فينتظم ذلك الوفاء والصدق وأداء الأمانة ؛ لأن المفهوم من كلام الناس إذا قالوا : فلان فيه خير ، إنما يريدون به الصلاح في
[ ص: 181 ] الدين ، ولو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا ؛ لأنه إنما يقال لفلان مال ولا يقال فيه مال ؛ وأيضا فإن العبد لا مال له ، فلا يجوز أن يتأول عليه . وما روي عن
عبيدة ( إذا صلى ) فلا معنى له ؛ لأنه جائز
مكاتبة اليهودي والنصراني بالآية وإن لم تكن لهم صلاة .
وقوله تعالى :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم اختلف أهل العلم في المكاتب هل يستحق على مولاه أن يضع عنه شيئا من كتابته ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : ( إن وضع عنه شيئا فهو حسن مندوب إليه وإن لم يفعل لم يجبر عليه ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ( هو على الوجوب ) . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين في قوله :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم قال : ( كان يعجبهم أن يدعوا له طائفة من مكاتبته ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ظاهر قوله : ( كان يعجبهم ) أنه أراد به الصحابة ، وكذلك قول
إبراهيم : ( كانوا يكرهون ) ، وكانوا يقولون : الظاهر من قول التابعي إذا قال ذلك أنه أراد به الصحابة ؛ فقول
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين يدل على أن ذلك كان عند الصحابة على الندب لا على الإيجاب ؛ لأنه لا يجوز أن يقال في الإيجاب : ( كان يعجبهم ) .
وروى
يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم قال : ( حث عليه مولاه وغيره ) .
وروى
مسلم بن أبي مريم عن غلام
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان قال : ( كاتبني عثمان ولم يحط عني شيئا ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ويحتمل أن يريد بقوله :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ما ذكره في آية الصدقات من قوله :
وفي الرقاب وقد روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : علمني عملا يدخلني الجنة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=887840أعتق النسمة وفك الرقبة قال : أليسا واحدا ؟ قال : عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، وهذا يدل على أن قوله :
وفي الرقاب قد اقتضى إعطاء المكاتب ، فاحتمل أن يكون قوله :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم دفع الصدقات الواجبات ، وأفاد بذلك جواز
دفع الصدقة إلى المكاتب وإن كان مولاه غنيا .
ويدل عليه أنه أمر بإعطائه من مال الله ، وما أطلق عليه هذه الإضافة فهو ما كان سبيله الصدقة وصرفه في وجوه القرب ، وهذا يدل على أنه أراد مالا هو ملك لمن أمر بإيتائه وأن سبيله الصدقة وذلك الصدقات الواجبة في الأموال ، ويدل عليه قوله :
من مال الله الذي آتاكم وهو الذي قد صح ملكه للمالك وأمر بإخراج بعضه ، ومال الكتابة ليس بدين صحيح ؛ لأنه على عبده والمولى لا يثبت له على عبده دين صحيح . وعلى قول من يوجب حط بعض الكتابة ينبغي أن يسقط بعد عقد الكتابة ، وذلك خلاف موجب الآية من وجوه :
أحدها : أنه إذا سقط لم يحصل مالا لله قد آتاه المولى .
[ ص: 182 ] والثاني : أن ما آتاه فهو الذي يحصل في يده ويمكنه التصرف فيه ، وما سقط عقيب العقد لا يمكنه التصرف فيه ولم يحصل له عليه بل لا يستحق الصفة بأنه من مال الله الذي آتاه إياه .
وأيضا لو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه متعلقا بالعقد فيكون العقد هو الموجب له وهو المسقط ، وذلك مستحيل ؛ لأنه إذا كان العقد يوجبه وهو بعينه مسقط استحال وجوبه لتنافي الإيجاب والإسقاط .
فإن قيل : ليس يمتنع ذلك في الأصول ؛ لأن الرجل إذا زوج أمته من عبده يجب عليه المهر بالعقد ثم يسقط في الثاني . قيل له : ليس كذلك ؛ لأنه ليس الموجب له هو المسقط له ؛ إذ كان الذي يوجبه هو العقد والذي يسقطه هو حصول ملكه للمولى في الثاني فالموجب له غير المسقط ، وكذلك من اشترى أباه فعتق عليه فالموجب للملك هو الشرى والموجب للعتاق حصول الملك مع النسب ولم يكن الموجب له هو المسقط . وقد حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الكتابة ليست بواجبة وأن يضع عنه بعد الكتاب واجب أقل ما يقع عليه اسم شيء ، ولو مات المولى قبل أن يضع عنه وضع الحاكم عنه أقل ما يقع عليه اسم شيء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : فلو كان الحط واجبا لما احتاج أن يضع عنه بل يسقط القدر المستحق ، كمن له على إنسان دين ثم صار للمدين عليه مثله أنه يصير قصاصا ، ولو كان كذلك لحصلت الكتابة مجهولة ؛ لأن الباقي بعد الحط مجهول ، فيصير بمنزلة من كاتب عبده على ألف درهم إلا شيء وذلك غير جائز .
وجملة ذلك أن الإيتاء لو كان فرضا لسقط ؛ ثم لا يخلو من أن يكون ذلك القدر معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما فالواجب أن تكون الكتابة بما بقي فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف درهم والكتابة أربعة آلاف درهم ؛ وذلك فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه لا يصح الإشهاد على الكتابة بأربعة آلاف درهم ، ومع ذلك فلا معنى لذكر شيء لا يثبت . وأيضا فإنه يعتق بأقل مما شرط ، وهذا فاسد ؛ لأن أداء جميعها مشروط ، فلا يعتق بأداء بعضها . وأيضا فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال : ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) فالواجب إذا أن لا يسقط شيء ، ولو كان الإيتاء مستحقا لسقط ، وإن كان الإيتاء مجهولا فالواجب أن يسقط ذلك القدر فتبقى الكتابة على مال مجهول .
فإن قيل : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن
أبي عبد الرحمن أنه كاتب غلاما له فترك له ربع مكاتبته وقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كان يأمرنا بذلك ، ويقول : هو قول الله :
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال : ( تعطيه ربعا من جميع مكاتبته تعجله من مالك ) . قيل له : هذا يدل على أنهم لم يروا ذلك
[ ص: 183 ] واجبا وأنه على وجه الندب ؛ لأنه لو كان واجبا عندهم لسقط بعد عقد الكتابة هذا القدر ؛ إذ كان المكاتب مستحقا له ولم يكن المولى يحتاج إلى أن يعطيه شيئا .
فإن قيل : قد يجوز أن يجب عليه مال الكتابة مؤجلا ويستحق هو على المولى أن يعطيه من ماله مقدار الربع فلا يصير قصاصا بل يستحق على المولى تعجيله فيكون مال الكتابة إلى أجله ، كمن له على رجل دين مؤجل فيصير للمدين على الطالب دين حال فلا يصير قصاصا له . قيل له : إن الله تعالى لم يفرق بين الكتابة الحالة والمؤجلة ، وكذلك من روي عنه من
السلف الحط لم يفرقوا بين الحالة والمؤجلة ، ولم يفرق أيضا بين أن يحل مال الكتابة المؤجل وبين أن لا يحل فيما ذكروا من الحط والإيتاء ؛ فعلمنا أنه لم يرد به الإيجاب ؛ إذ لم يجعله قصاصا إذا كانت حالة وكانت مؤجلة فحلت ، وأوجب الإيتاء في الحالين ، والإيتاء هو الإعطاء ، وما يصير قصاصا لا يطلق فيه الإعطاء .
ومما يدل من جهة السنة على ما وصفنا ما روى
يونس nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : جاءتني
بريرة فقالت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية ، فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ، فقالت لها
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت .
فأبوا وقالوا : إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا ؛ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670838لا يمنعك منها ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ، وذكر الحديث .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنحوه ؛ فلما لم تكن قضت من كتابتها شيئا وأرادت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن تؤدي عنها كتابتها كلها وذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير عليها ولم يقل : إنها يستحق أن يحط عنها بعض كتابتها أو أن يعطيها المولى شيئا من ماله ، ثبت أن الحط من الكتابة على الندب لا على الإيجاب ؛ لأنه لو كان واجبا لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولقال لها : ولم تدفعي إليهم ما لا يجب لهم عليها .
ويدل عليه أيضا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق عن
محمد بن جعفر بن الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503310أن nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على كتابتي ، فقال : فهل لك في خير من ذلك ؟ فقالت : وما هو يا رسول الله ؟ فقال : أقضي عنك كتابتك وأتزوجك قالت : نعم ؛ قال : قد فعلت . ففي هذا الحديث أنه بذل
nindex.php?page=showalam&ids=149لجويرية أداء جميع كتابتها عنها إلى مولاها ، ولو كان الحط واجبا لكان الذي يقصد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأداء
[ ص: 184 ] عنها باقي كتابتها .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ومن قدمنا قولهم من
السلف أنهم لم يكونوا يرون الحط واجبا ، ولا يروى عن نظرائهم خلافه ؛ وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي فيه فقد بينا أنه يدل على أنه رآه ندبا لا إيجابا .
ويدل عليه ما حدثنا
محمد بن بكر قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثني
عبد الصمد قال : حدثنا
همام قال : حدثنا
عباس الجريري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675349أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد ، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد ، فلو كان الحط واجبا لأسقط عنه بقدره ، وفي ذلك دلالة على أنه غير مستحق ؛ والله أعلم