وقوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اختلف الفقهاء من
السلف في تأويله ، فروى
المسعودي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال : " أحيل الصيام على ثلاثة أحوال ثم أنزل الله :
كتب عليكم الصيام إلى قوله :
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا وأجزى عنه ، ثم أنزل الله الآية الأخرى
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه فأثبت الله تعالى صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبيد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع وعلقمة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة في قوله :
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال : " كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى وأطعم كل يوم مسكينا ، حتى نزل :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه
وروي فيه وجه آخر ، وهو ما روى
عبد الله بن موسى عن
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
أبي إسحاق عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه قال : " من أتى عليه رمضان وهو مريض أو مسافر فليفطر وليطعم كل يوم مسكينا صاعا ، فذلك قوله
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين .
ووجه آخر ، وهو ما روى
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه كان يقرؤها : " وعلى الذين
[ ص: 219 ] يطوقونه فدية طعام مسكين " قال : " الشيخ الكبير الذي كان يطيق الصوم وهو شاب فأدركه الكبر وهو لا يستطيع أن يصوم من ضعف ، ولا يقدر أن يترك الطعام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مثله وكانت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تقرأ : " وعلى الذين يطوقونه " . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أنه كان يقرأ :
وعلى الذين يطيقونه قال " إنها ليست بمنسوخة " .
وروى
الحجاج عن
أبي إسحاق عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي :
وعلى الذين يطيقونه قال : " الشيخ والشيخة " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : فقالت الفرقة الأولى من الصحابة والتابعين ، وهم الأكثرون عددا " إن فرض الصوم بديا نزل على وجه التخيير لمن يطيقه بين الصيام وبين الفدية ، وإنه نسخ عن المطيق بقوله :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقالت الفرقة الثانية : " هي غير منسوخة ، بل هي ثابتة على
المريض والمسافر يفطران ويقضيان وعليهما الفدية مع القضاء " .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب يقرءونها : " وعلى الذين يطوقونه " فاحتمل هذا اللفظ معاني ، منها : ما بينه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه أراد الذين كانوا يطيقونه ثم كبروا فعجزوا عن الصوم فعليهم الإطعام . والمعنى الآخر : أنهم يكلفونه على مشقة فيه ، وهم لا يطيقونه لصعوبته ، فعليهم الإطعام .
ومعنى آخر ؛ وهو أن حكم التكليف يتعلق عليهم وإن لم يكونوا مطيقين للصوم فيقوم لهم الفدية مقام ما لحقهم من حكم تكليف الصوم ، ألا ترى أن
حكم تكليف الطهارة بالماء قائم على المتيمم ، وإن لم يقدر عليه حتى أقيم التراب مقامه ، ولولا ذلك لما كان التيمم بدلا منه .
وكذلك
حكم تكليف الصلاة قائم على النائم والناسي في باب وجوب القضاء لا على وجه لزمه بالترك ، فلما أوجب تعالى عليه الفدية في حال العجز والإياس عن القضاء أطلق فيه اسم التكليف بقوله :
وعلى الذين يطيقونه إذ كانت الفدية هي ما قام مقام غيره .
فالقراءتان على هذا الوجه مستعملتان إلا أن الأولى ، وهي قوله :
وعلى الذين يطيقونه لا محالة منسوخة لما ذكره من روينا عنه من الصحابة وأخبارهم عن كيفية الفرض وصفته بديا ، وأن المطيق للصوم منهم كان مخيرا بين الصيام والإفطار والفدية . وليس هذا من طريق الرأي ؛ لأنه حكاية حال شاهدوها وعلموا أنها بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم إياهم عليها .
وفي مضمون الخطاب من أوضح الدلالة على ذلك ما لو لم يكن معنا رواية عن
السلف في معناه لكان كافيا في الإبانة عن مراده ، وهو قوله تعالى :
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فابتدأ تعالى ببيان حكم المريض والمسافر وأوجب عليهما
[ ص: 220 ] القضاء إذا أفطرا ، ثم عقبه بقوله :
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فغير جائز أن يكون هؤلاء هم المرضى والمسافرين ؛ إذ قد تقدم ذكر حكمهما وبيان فرضهما بالاسم الخاص لهما ، فغير جائز أن يعطف عليهما بكناية عنهما مع تقديمه ذكرهما منصوصا معينا ؛ ومعلوم أن ما عطف عليه فهو غيره ؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه .
ويدل على أن المراد المقيمون المطيقون للصوم ، أن المريض المذكور في الآية هو الذي يخاف ضرر الصوم ، فكيف يعبر عنه بإطاقة الصوم ، وهو إنما رخص له لفقد الإطاقة وللضرر المخوف منه ؟ ويدل على ذلك ما ذكره في نسق التلاوة من قوله تعالى :
وأن تصوموا خير لكم وليس الصوم خيرا للمريض الخائف على نفسه ، بل هو في هذه الحال منهي عن الصوم .
ويدل على أن المريض والمسافر لم يرادا بالفدية وأنه لا فدية عليهما ، أن الفدية ما قام مقام الشيء ، وقد نص الله تعالى على إيجاب القضاء على المريض والمسافر ، والقضاء قائم مقام الفرض فلا يكون الإطعام حينئذ فدية وفي ذلك دلالة على أنه لم يرد بالفدية المريض والمسافر ، بقوله تعالى :
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين منسوخ بما قدمنا .
وهذه الآية تدل على أن أصل الفرض كان الصوم ، وأنه جعل له العدول عنه إلى الفدية على وجه البدل عن الصوم ؛ لأن الفدية ما يقوم مقام الشيء ، ولو كان الإطعام مفروضا في نفسه كالصوم على وجه التخيير لما كان بدلا كما أن المكفر عن يمينه بما شاء من الثلاثة الأشياء لا يكون ما كفر به منها بدلا ولا فدية عن غيرها .
وإن حمل معناه على قول من قال : " المراد به الشيخ الكبير " لم يكن منسوخا ولكن يحتاج إلى ضمير ، وهو " وعلى الذين كانوا يطيقونه ثم عجزوا بالكبر مع اليأس عن القضاء " وغير جائز إثبات ذلك إلا باتفاق أو توقيف .
ومع ذلك فيه إزالة اللفظ عن حقيقته وظاهره من غير دلالة تدل عليه ، وعلى أن في حمله على ذلك إسقاط فائدة قوله :
وعلى الذين يطيقونه لأن الذين كانوا يطيقونه بعد لزوم الفرض ، والذين لحقهم فرض الصوم وهم عاجزون عنه بالكبر سواء في حكمه ، ويحمل معناه على أن الشيخ الكبير العاجز عن الصوم الميئوس من القضاء عليه الفدية ، فسقط فائدة قوله :
وعلى الذين يطيقونه إذ لم يتعلق فيه بذكر الإطاقة حكم ولا معنى .
وقراءة من قرأ : " يطوقونه " يحتمل الشيخ الميئوس منه القضاء من إيجاب الفدية عليه ؛ لأن قوله " يطوقونه " قد اقتضى تكليفهم حكم الصوم مع مشقة شديدة عليهم في فعله وجعل لهم الفدية قائمة مقام الصوم ؛ فهذه القراءة إذا كان معناها ما وصفنا فهي غير
[ ص: 221 ] منسوخة بل هي ثابتة الحكم ؛ إذ كان المراد بها الشيخ الميئوس منه القضاء العاجز عن الصوم ، والله الموفق بمنه وكرمه .