وقوله تعالى :
فمن تطوع خيرا فهو خير له يجوز أن يكون ابتداء كلام غير متعلق بما قبله ؛ لأنه قائم بنفسه في إيجاب الفائدة يصح ابتداء الخطاب به ، فيكون حثا على التطوع بالطاعات . وجائز أن يريد به
التطوع بزيادة طعام الفدية ؛ لأن المقدار المفروض منه نصف صاع ، فإن تطوع بصاع أو صاعين فهو خير له .
[ ص: 223 ] وقد روي هذا المعنى عن
قيس بن السائب ، أنه كبر فلم يقدر على الصوم فقال : " يطعم عن كل إنسان لكل يوم مدين فأطعموا عني ثلاثا " . وغير جائز أن يكون المراد أحد ما وقع عليه التخيير فيه من الصيام أو الإطعام ؛ لأن كل واحد منهما إذا فعله منفردا فهو فرض لا تطوع فيه ، فلم يجز أن يكون واحد منهما مراد الآية . وجائز أن يكون المراد الجمع بين الصيام والطعام فيكون الفرض أحدهما والآخر التطوع .
وأما قوله تعالى :
وأن تصوموا خير لكم فإنه يدل على أن أول الآية
فيمن يطيق الصوم من الأصحاء المقيمين غير المرضى ولا المسافرين ولا الحامل والمرضع ؛ وذلك لأن
المريض الذي يباح له الإفطار هو الذي يخاف ضرر الصوم ، وليس الصوم بخير لمن كان هذا حاله ؛ لأنه منهي عن تعريض نفسه للتلف بالصوم ؛ والحامل والمرضع لا تخلوان من أن يضر بهما الصوم أو بولديهما ، وأيهما كان فالإفطار خير لهما والصوم محظور عليهما .
وإن كان لا يضر بهما ولا بولديهما فعليهما الصوم وغير جائز لهما الفطر ، فعلمنا أنهما غير داخلتين في قوله تعالى :
وعلى الذين يطيقونه وقوله :
وأن تصوموا خير لكم عائد إلى من تقدم ذكره في أول الخطاب ، وجائز أن يكون قوله :
وأن تصوموا خير لكم عائدا إلى المسافرين أيضا مع عوده على المقيمين المخيرين بين الصوم والإطعام ، فيكون الصوم خيرا للجميع ، إذ كان أكثر المسافرين يمكنهم الصوم في العادة من غير ضرر وإن كان الأغلب فيه المشقة ؛ ودلالته واضحة على أن
الصوم في السفر أفضل من الإفطار وفيه الدلالة على أن
صوم يوم تطوعا أفضل من صدقة نصف صاع ؛ لأنه في الفرض كذلك ؛ ألا ترى أنه لما خيره في الفرض بين صوم يوم وصدقة نصف صاع جعل الصوم أفضل منها ؟ فكذلك يجب أن يكون حكمهما في التطوع ، والله الموفق .