باب من صام في السفر ثم أفطر وقد اختلف في
من صام في السفر ثم أفطر من غير عذر ، فقال أصحابنا : " عليه القضاء ولا كفارة " وكذلك لو أصبح صائما ثم سافر فأفطر ، أو كان مسافرا فصام وقدم فأفطر ، فعليه القضاء في هذه الوجوه ولا كفارة عليه وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الصائم في السفر إذا أفطر : " عليه القضاء والكفارة " وقال مرة : " لا كفارة " . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن عليه الكفارة وقال : " لو أصبح صائما في حضره ثم سافر فأفطر فليس عليه إلا القضاء " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : " لا كفارة على المسافر في الإفطار " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : " عليه الكفارة " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : الأصل في ذلك أن كفارة رمضان تسقطها الشبهة ، فهي بمنزلة الحد ؛ والدليل على ذلك أنها لا تستحق إلا بمأثم مخصوص كالحدود ، فلما كانت الحدود تسقطها الشبهة كانت كفارة رمضان بمثابتها ، فإذا ثبت ذلك قلنا : إنه متى أفطر في حال السفر فإن وجود هذه الحال مانع من وجوب الكفارة ؛ لأن السفر يبيح الإفطار فأشبه عقد النكاح وملك اليمين في إباحتهما الوطء وإن كانا غير مبيحين لوطء الحائض ، إلا أنهم متفقون على أن وجود السبب المبيح للوطء في الأصل مانع من وجوب الحد .
وإن لم يبح هذا الوطء بعينه ، كذلك السفر وإن لم يبح الإفطار بعد الدخول في الصوم فإنه يمنع وجوب الكفارة ؛ إذ كان في الأصل قد جعل سببا لإباحة الإفطار ؛ فلذلك قلنا : إذا أفطر وهو مسافر فلا كفارة عليه وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وغيرهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في السفر بعدما دخل في الصوم وذلك لتعليم الناس جواز الإفطار فيه ، فغير جائز فيما كان هذا وصفه إيجاب الكفارة على المفطر فيه .
ووجه آخر : وهو أنه لما لم يكن فعل الصوم مستحقا عليه في السفر أشبه الصائم في قضاء رمضان أو في صوم نذر أو كفارة ، فلا تجب عليه الكفارة بإفطاره فيه ؛ إذ كان له بديا أن لا يصومه ، ولم يكن لزوم إتمامه بالدخول فيه موجبا عليه
[ ص: 269 ] الكفارة عند الإفطار ، فكذلك المسافر إذا صام ثم أفطر ، وأما إذا أصبح مقيما ثم سافر فأفطر فهو كما وصفنا من وجود الحال المبيحة للإفطار وهي حال السفر ، كوجود النكاح وملك اليمين في إباحة الوطء وإن لم يبح وطء الحائض
فإن قيل : فهذا لم يكن له في ابتداء النهار ترك الصوم لكونه مقيما فينبغي أن يوجب عليه الكفارة ؛ إذ كان فعل الصوم مستحقا عليه في ابتداء النهار .
قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأنه قد طرأ من الحال ما يمنع وجوب الكفارة وهو ما وصفنا ، وأما إذا كان مسافرا فقدم ثم أفطر فلا كفارة عليه ؛ لأنه قد كان له أن لا يصوم مبدئا فأشبه الصائم في قضاء رمضان وكفارة اليمين ونحوها .
واختلف في المسافر يفطر ثم يقدم من يومه والحائض تتطهر في بعض النهار ، فقال أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : " عليهما القضاء ويمسكان بقية يومهما عما يمسك عنه الصائم " وهو قول
عبيد الله بن الحسن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة في المسافر إذا قدم ولم يأكل شيئا : " إنه يصوم بقية يومه ويقضي ، ولو طهرت المرأة من حيضها فإنها تأكل ولا تصوم " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في
المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطر في السفر : " إنه يأكل ولا يمسك " وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؛ وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد مثله ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
عبد الله أنه قال : " من أكل أول النهار فليأكل آخره " ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن نفسه خلاف ذلك وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " لو أصبح ينوي الإفطار وهو لا يعلم أنه من رمضان فإنه يكف عن الأكل والشرب ويقضي ، فإن أكل أو شرب بعد أن علم في يومه ذلك فلا كفارة عليه إلا أن يكون أكل جرأة على ما ذكرت لك ، فتجب عليه الكفارة " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : لما اتفقوا على أن من غم عليه هلال رمضان فأكل ثم علم به يمسك عما يمسك عنه الصائم ، كذلك الحائض والمسافر ، والمعنى الجامع بينهما أن الحال الطارئة عليهم بعد الإفطار لو كانت موجودة في أول النهار كانوا مأمورين بالصيام ، فكذلك إذا طرأت عليهم وهم مفطرون أمروا بالإمساك .
ويدل على صحة ذلك أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=651790أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآكلين يوم عاشوراء بالإمساك مع إيجاب القضاء عليهم ، فصار ذلك أصلا في نظائره مما وصفناه ، وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في إيجابه الكفارة عليه إذا أكل جرأة على ذلك فلا معنى له ؛ لأن هذه كفارة يختص وجوبها بإفساد الصوم على وصف ، وهذا الآكل لم يفسد صوما بأكله فلا تجب عليه فيه كفارة ؛ والله تعالى أعلم بالصواب .
[ ص: 270 ]