باب وقوع الفرقة باختلاف الدارين
قال الله - تعالى - :
فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : في هذه الآية ضروب من الدلالة على
وقوع الفرقة باختلاف الدارين بين الزوجين . واختلاف الدارين أن يكون أحد الزوجين من أهل دار الحرب والآخر من أهل دار الإسلام وذلك ؛ لأن المهاجرة إلى دار الإسلام قد صارت من أهل دار الإسلام وزوجها باق على كفره من أهل دار الحرب فقد اختلفت بهما الداران ، وحكم الله بوقوع الفرقة بينهما بقوله :
فلا ترجعوهن إلى الكفار [ ص: 329 ] ولو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد ، ويدل عليه أيضا قوله :
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ؛ وقوله :
وآتوهم ما أنفقوا يدل عليه أيضا ؛ لأنه أمر برد مهرها على الزوج ، ولو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج رد المهر ؛ لأنه لا يجوز أن يستحق البضع وبدله ، ويدل عليه قوله :
ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولو كان النكاح الأول باقيا لما جاز لها أن تتزوج ويدل عليه قوله :
ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصمة المنع ، فنهانا أن نمتنع من تزويجها لأجل زوجها الحربي .
واختلف أهل العلم في الحربية تخرج إلينا مسلمة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في الحربية تخرج إلينا مسلمة ولها زوج كافر في دار الحرب : " قد وقعت الفرقة فيما بينهم ولا عدة عليها " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : " عليها العدة ، وإن أسلم الزوج لم تحل له إلا بنكاح مستقبل " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " إن أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاث حيض فقد وقعت الفرقة " . ولا فرق عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بين دار الحرب وبين دار الإسلام ، لا حكم للدار عنده . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي قال : " إذا أسلمت اليهودية والنصرانية قبل زوجها فهو أحق بها ما داموا في دار الهجرة " .
وروى
الشيباني عن
السفاح بن مطر عن
داود بن كردوس قال : " كان رجل من
بني تغلب نصراني عنده امرأة من
بني تميم نصرانية فأسلمت المرأة وأبى الزوج أن يسلم ، ففرق
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بينهما " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد في النصراني تسلم امرأته قالوا : " إن أسلم معها فهي امرأته ، وإن لم يسلم فرق بينهما " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : " إذا أسلم وهي في عدتها فهي امرأته ، وإن لم تسلم فرق بينهما " ، وروى
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء مثله ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب مثله وقال
إبراهيم : " إن أبى أن يسلم فرق بينهما " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام عن
خالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها فهي أملك لنفسها " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : حصل اختلاف
السلف في ذلك على ثلاثة أنحاء ؛ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : " هو أحق بها ما داموا في دار الهجرة " ، وهذا معناه عندنا إذا كانا في دار واحدة ، ومتى اختلفت بهما الدار فصار أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام بانت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : " إذا أسلمت وأبى الزوج الإسلام فرق بينهما " .
وهذا أيضا على أنهما في دار الإسلام وقال آخرون ممن ذكرنا قوله : " هي امرأته ما دامت في العدة فإذا انقضت العدة وقعت الفرقة " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " تقع الفرقة بإسلامها " واتفق فقهاء الأمصار على أنها لا تبين
[ ص: 330 ] منه بإسلامها إذا كانا في دار واحدة واختلفوا في
وقت وقوع الفرقة إذا أسلمت ولم يسلم الزوج ، فقال أصحابنا : " إن كانا ذميين لم تقع الفرقة حتى يعرض الإسلام عليه ، فإن أسلم ، وإلا فرق بينهما " ، وهو معنى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، وقالوا : " إن كانا حربيين في دار الحرب فأسلمت فهي امرأته ما لم تحض ثلاث حيض ، فإذا حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم فرق بينهما " ويجوز أن يكون من روي عنه من السلف اعتبار الحيض إنما أرادوا به الحربيين في دار الحرب وقال أصحابنا : " إذا أسلم أحد الحربيين ، وخرج إلينا أيهما كان وبقي الآخر في دار الحرب فقد وقعت الفرقة باختلاف الدارين " وقد ذكرنا وجوه دلائل الآية على صحة هذا القول ومن الدليل على ذلك قوله :
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري : " نزلت في سبايا
أوطاس كان لهن أزواج في الشرك وأباحهن لهم بالسبي " وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال : " كل ذات زوج فإتيانها زنا إلا ما سبيت " وقال النبي صلى الله عليه وسلم في السبايا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=30679لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة .
واتفق الفقهاء على جواز
وطء المسبية بعد الاستبراء ، وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها ، فلا يخلو وقوع الفرقة من أن يتعلق بإسلامها أو باختلاف الدارين على الحد الذي بينا أو بحدوث الملك عليها ، وقد اتفق الجميع على أن إسلامها لا يوجب الفرقة في الحال ؛ وثبت أيضا أن حدوث الملك لا يرفع النكاح بدلالة أن الأمة التي لها زوج إذا بيعت لم تقع الفرقة .
وكذلك إذا مات رجل عن أمة لها زوج لم يكن انتقال الملك إلى الوارث رافعا للنكاح ، فلم يبق وجه لإيقاع الفرقة إلا اختلاف الدارين فإن قيل : اختلاف الدارين لا يوجب الفرقة ؛ لأن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان لم يبطل نكاح امرأته ، وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين زوجته ، وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ثم خرج أحدهما إلى دار الإسلام لم تقع الفرقة ، فسلمنا أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيجاب الفرقة قيل له : ليس معنى اختلاف الدارين ما ذهبت إليه ، وإنما معناه أن يكون أحدهما من أهل دار الإسلام إما بالإسلام أو بالذمة والآخر من أهل دار الحرب فيكون حربيا كافرا ، فأما إذا كانا مسلمين فهما من أهل دار واحدة ، وإن كان أحدهما مقيما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام فإن احتج المخالف لنا بما روى
يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 331 ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673836رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته nindex.php?page=showalam&ids=437زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول بعد ست سنين ، وقد كانت
nindex.php?page=showalam&ids=437زينب هاجرت إلى
المدينة وبقي زوجها
بمكة مشركا ثم ردها عليه بالنكاح الأول ، وهذا يدل على أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيقاع الفرقة فيقال : لا يصح الاحتجاج به للمخالف من وجوه . أحدها : أنه قال : " ردها بعد ست سنين بالنكاح الأول " ؛ لأنه لا خلاف بين الفقهاء أنها لا ترد إليه بالعقد الأول بعد انقضاء ثلاث حيض ، ومعلوم أنه ليس في العادة أنها لا تحيض ثلاث حيض في ست سنين ، فسقط احتجاج المخالف به من هذا الوجه .
ووجه آخر : وهو ما روى
خالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في اليهودية تسلم قبل زوجها أنها أملك لنفسها ؛ فكان من مذهبه أن الفرقة قد وقعت بإسلامها ، وغير جائز أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما قد رواه عنه .
والوجه الثالث : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده :
nindex.php?page=hadith&LINKID=678513أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته nindex.php?page=showalam&ids=437زينب على أبي العاص بنكاح ثان فهذا يعارض حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، وهو مع ذلك أولى ؛ لأن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إن صح فإنما هو إخبار عن كونها زوجة له بعدما أسلم ، ولم يعلم حدوث عقد ثان ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب الإخبار عن حدوث عقد ثان بعد إسلامه ، فهو أولى ؛ لأن الأول إخبار عن ظاهر الحال ، والثاني إخبار عن معنى حادث قد علمه ، وهذا مثل ما تقوله في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=659535النبي صلى الله عليه وسلم تزوج nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة وهو محرم ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم أنه تزوجها وهو حال .
فقلنا : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أولى ؛ لأنه أخبر عن حال حادثة وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول ، وكحديث زوج
بريرة أنه كان حرا حين أعتقت ورواية من روى أنه كان عبدا ، فكان الأول أولى لإخباره عن حال حادثة علمها ، وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول ولم يعلم حدوث حال أخرى .