ومن سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك روي في سبب نزول الآية
[ ص: 362 ] وجوه :
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب ويأكل عند
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب ، فتواطأت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة على أن تقولا له : نجد منك ريح المغافير ، قال : " بل شربت عندها عسلا ولن أعود له " ، فنزلت :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وقيل : إنه شرب عند
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وقيل : عند
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ، وأنه حرم العسل ؛ وفي بعض الروايات : " والله لا أذوقه " وقيل : إنه أصاب
مارية القبطية في بيت
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، فعلمت به فجزعت منه ، فقال لها : " ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ " قالت : بلى ؛ فحرمها وقال : " لا تذكري ذلك لأحد " ، فذكرته
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، فأظهره الله عليه وأنزل عليه :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب بذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وجائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا من
تحريم مارية وتحريم العسل ، إلا أن الأظهر أنه حرم
مارية وأن الآية فيها نزلت ؛ لأنه قال :
تبتغي مرضات أزواجك وليس في ترك شرب العسل رضا أزواجه ، وفي ترك قرب
مارية رضاهن فروي في العسل أنه حرمه ، وروي أنه حلف أن لا يشربه وأما مارية فكان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن يقول : حرمها ؛ وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى وحرم ، فقيل له : الحرام حلال وأما اليمين فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : " حرم جاريته " ، وكذلك روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره من الصحابة وأما قول من قال : إنه حرم وحلف أيضا ، فإن ظاهر الآية لا يدل عليه وإنما فيها التحريم فقط ، فغير جائز أن يلحق بالآية ما ليس فيها ، فوجب أن يكون التحريم يمينا لإيجاب الله تعالى فيها كفارة يمين بإطلاق لفظ التحريم .
ومن الناس من يقول : لا فرق بين
التحريم واليمين ؛ لأن اليمين تحريم للمحلوف عليه والتحريم أيضا يمين ؛ وهذا عند أصحابنا يختلف في وجه ويتفق في وجه آخر ، فالوجه الذي يوافق اليمين فيه التحريم أن الحنث فيهما يوجب كفارة اليمين ، والوجه الذي يختلفان فيه أنه
لو حلف أنه لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث ، ولو قال : " قد حرمت هذا الرغيف على نفسي " فأكل منه اليسير حنث ولزمته الكفارة ؛ لأنهم شبهوا تحريمه الرغيف على نفسه بمنزلة قوله والله لا أكلت من هذا الرغيف شيئا ، تشبيها له بسائر ما حرمه الله من الميتة والدم أنه اقتضى تحريم القليل منه والكثير .
واختلف
السلف في
الرجل يحرم امرأته ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : " أن الحرام يمين " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس [ ص: 363 ] وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواية مثله ، وروي عنه غير ذلك وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وجماعة من التابعين قالوا : " هي ثلاث " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقول في الحرام بمنزلة الظهار وروى
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " النذر والحرام إذا لم يسم مغلظة ، فتكون عليه رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : " إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها ، أما لكم في رسول الله أسوة حسنة " وهذا محمول على أنه إذا لم تكن له نية فهو بمنزلة يمين ، وأنه إن أراد الظهار كان ظهارا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق " ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن : " ما أبالي حرمت امرأتي أو ماء فراتا " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وليس فيه دلالة على أنهم لم يروه يمينا ؛ لأنه لا جائز أن يكون قولهما في تحريم الثريد والماء أنه يمين ، فكأنهما لم يريا ذلك طلاقا ؛ وكذلك نقول : إنه ليس بطلاق إلا أن ينويه ، فلم تظهر مخالفة هذين لمن ذكرنا قولهم من الصحابة واتفاقهم على أن هذا القول ليس بلغو وأنه إما أن يكون يمينا أو طلاقا أو ظهارا واختلف فقهاء الأمصار في الحرام ، فقال أصحابنا : " إن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا ، وإن لم ينو طلاقا فهو يمين وهو مول " وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
محمد : " أنه إن نوى ظهارا لم يكن ظهارا ؛ لأن الظهار أصله بحرف التشبيه " وروى
ابن شجاع عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في اختلاف
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف : " أنه إن نوى ظهارا كان ظهارا " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : " هي ثلاث ولا أسأله عن نيته " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيما ذكر عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم : " الحرام لا يكون يمينا في شيء إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق ، وهو ثلاث ، إلا أن ينوي واحدة أو ثنتين فيكون على ما نوى " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : " إن نوى ثلاثا فثلاث ، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة ، وإن نوى يمينا فهي يمين يكفرها ، وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس بشيء هي كذبة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : " هو على ما نوى ، وإن لم ينو شيئا فهو يمين " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي " هو بمنزلة الظهار " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : " ليس بطلاق حتى ينوي فإذا نوى فهو طلاق على ما أراد من عدده ، وإن أراد تحريمها بلا طلاق فعليه كفارة يمين وليس بمول " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قد جعل أصحابنا التحريم يمينا إذا لم تقارنه نية الطلاق إذا حرم امرأته ، فيكون بمنزلة قوله لها : " والله لا أقربك " فيكون موليا ، وأما إذا حرم غير امرأته من المأكول والمشروب وغيرهما فإنه بمنزلة قوله : " والله
[ ص: 364 ] لا آكل منه والله لا أشرب منه " ونحو ذلك ، لقوله تعالى :
لم تحرم ما أحل الله لك ثم قال :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فجعل التحريم يمينا ، فصارت اليمين في مضمون لفظ التحريم ومقتضاه في حكم الشرع ، فإذا أطلق كان محمولا على اليمين إلا أن ينوي غيرها فيكون ما نوى ، فإذا
حرم امرأته وأراد الطلاق كان طلاقا لاحتمال اللفظ له ؛ وكل لفظ يحتمل الطلاق ويحتمل غيره فإنه متى أراد به الطلاق كان طلاقا ، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم
لركانة حين طلق امرأته ألبتة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673809بالله ما أردت إلا واحدة فتضمن ذلك معنيين :
أحدهما : أن كل لفظ يحتمل الثلاث ويحتمل غيرها فإنه متى أراد الثلاث كان ثلاثا ، لولا ذلك لم يستحلفه عليها .
والثاني : أنه لم يلزمه الثلاث بوجود اللفظ وجعل القول قوله للاحتمال فيه ، فصار ذلك أصلا في أن كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره أنا لا نجعله طلاقا إلا بمقارنة الدلالة لإرادة الطلاق ومما يدل على أن اللفظ المحتمل للطلاق يجوز إيقاع الطلاق به وإن لم يكن طلاقا في نفسه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة : " اعتدي " ثم راجعها فأوقع الطلاق بقوله : " اعتدي " لاحتماله له ، ولا نعلم أحدا من
السلف منع إيقاع الطلاق بلفظ التحريم ، ومن قال منهم : هو يمين فإنما أراد به عندنا إذا لم تكن له نية الطلاق ولم تقارنه دلالة الحال .
وزعم مالك أن من حرم على نفسه شيئا غير امرأته أنه لا يلزمه بذلك شيء وأن ذلك ليس بيمين ، وقد اقتضى قوله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك من كونه يمينا ، لقوله تعالى :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وأنه لا يجوز إسقاط موجب هذا اللفظ من كون الحرام يمينا برواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يشرب العسل ، إذ غير جائز الاعتراض على حكم القرآن بخبر الواحد ؛ ولأن من روى اليمين يجوز أن يكون إنما عنى به التحريم وحده ؛ إذ كان التحريم يمينا ويدل من جهة النظر على أن التحريم يمين أن المحرم للشيء على نفسه قد اقتضى لفظه إيجاب الامتناع منه كالأشياء المحرمة ، وذلك في معنى النذر وقول القائل : " لله علي أن لا أفعل ذلك " ، فلما كان النذر يمينا بالسنة واتفاق الفقهاء وجب أن يكون تحريم الشيء بمنزلة النذر فتجب فيه كفارة يمين إذا حنث كما تجب في النذر .