قوله تعالى :
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اختلف السلف في تأويل الرفث ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " هو الجماع " وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مثله .
وروي عنه أنه التعريض بالنساء ، وكذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه أنشد في إحرامه :
وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننك لميسا
فقيل له في ذلك ، فقال : " إنما الرفث مراجعة النساء بذكر الجماع " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : " الرفث الجماع فما دونه من قول الفحش " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار : " هو الجماع فما دونه من شأن النساء " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قد قيل : إن أصل الرفث في اللغة هو الإفحاش في القول ، وبالفرج الجماع ، وباليد الغمز للجماع . وإذا كان كذلك فقد تضمن نهيه عن الرفث في الحج هذه الوجوه كلها وحصل من اتفاق جميع من روي عنه تأويله أن الجماع مراد به في هذه الآية .
ويدل على أن الرفث الفحش في المنطق قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=689165إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن جهل عليه فليقل إني صائم ، والمراد فحش القول . وإن كان المراد بالرفث هو التعريض بذكر النساء في الإحرام ، فاللمس ، والجماع أولى أن يكون محظورا ، كما قال تعالى
فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما عقل منه النهي عن السب ، والضرب .
وقد ذكر الله تعالى الرفث في شأن الصوم فقال :
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ولا خلاف أنه أريد به الجماع ، وعقل منه إباحة ما دونه ، كما أن حظره الرفث في الحج وهو التعريض ، واللمس قد عقل به حظر ما فوقه من الجماع ؛ لأن حظر القليل يدل على الكثير من جنسه . وإباحة الكثير تدل على إباحة القليل من جنسه ،
[ ص: 384 ] وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16956محمد بن راشد قال : خرجنا حجاجا فمررنا
بالرويثة فإذا بها شيخ يقال له
أبو هرم قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : " للمحرم من امرأته كل شيء إلا الجماع " قال : فأهوى رجل منا إلى امرأته فقبلها ؛ فقدمنا
مكة فذكرنا ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء فقال : قاتله الله قعد على طريق من طرق المسلمين يفتنهم بالضلالة ؛ ثم قال للذي قبل امرأته : أهرق دما . وهذا شيخ مجهول . وما ذكره قد اتفقت الأمة على خلافه ، وعلى أن من
قبل امرأته في إحرامه بشهوة فعليه دم . وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ذلك وهو قول فقهاء الأمصار .
ولما ثبت بما ذكرنا حظر مراجعة النساء بذكر الجماع في حال الإحرام ، والتعريض به ، واللمس وذلك كله من دواعي الجماع ، دل ذلك على أن الجماع ودواعيه محظورة على المحرم ، وذلك دليل على حظر التطيب لهذا المعنى بعينه ، ولما ورد فيه من السنة . وأما الفسوق فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " الفسوق السباب " والجدال : المراء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " الجدال أن تجادل صاحبك حتى تغيظه ، والفسوق المعاصي " وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ولا جدال في الحج قال : قد أعلم الله تعالى أشهر الحج فليس فيها شك ولا خلاف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : جميع ما ذكر من هذه المعاني عن المتقدمين جائز أن يكون مراد الله تعالى ، فيكون
المحرم منهيا عن السباب ، والمماراة في أشهر الحج وفي غير ذلك وعن الفسوق وسائر المعاصي ، فتضمنت الآية الأمر بحفظ اللسان ، والفرج عن كل ما هو محظور من الفسوق ، والمعاصي .
والمعاصي ، والفسوق وإن كانت محظورة قبل الإحرام فإن الله نص على حظرها في الإحرام تعظيما لحرمة الإحرام ؛ ولأن المعاصي في حال الإحرام أعظم وأكبر عقابا منها في غيرها ، كما قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=689165إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن جهل عليه فليقل إني امرؤ صائم . وقد روي أن
الفضل بن العباس كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المزدلفة إلى
منى ، فكان يلاحظ النساء وينظر إليهن ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=683729إن هذا يوم من ملك سمعه وبصره غفر له ومعلوم حظر ذلك في غير ذلك اليوم ، ولكنه خص اليوم تعظيما لحرمته ، فكذلك المعاصي ، والفسوق ، والجدال ، والرفث كل ذلك محظور ومراد بالآية ، سواء كان مما حظره الإحرام ، أو كان محظورا فيه وفي غيره بعموم اللفظ ؛ ويكون تخصيصه إياها بحال الإحرام تعظيما للإحرام ، وإن كانت محظورة في غيره . وقد روى
مسعود عن
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11973أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي
[ ص: 385 ] صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651424من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه وهذا موافق لدلالة الآية ؛ وذلك لأن الله تعالى لما نهى عن المعاصي ، والفسوق في الحج فقد تضمن ذلك الأمر بالتوبة منها ؛ لأن الإصرار على ذلك هو من الفسوق ، والمعاصي ، فأراد الله تعالى أن يحدث الحاج توبة من الفسوق ، والمعاصي حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى :
ولا جدال في الحج قد تضمن النهي عن مماراة صاحبه ورفيقه وإغضابه وحظر الجدال في وقت الحج على ما كان عليه أمر الجاهلية ؛ لأنه قد استقر على وقت واحد وأبطل به النسيء الذي كان أهل الجاهلية عليه ؛ وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=654294ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات الأرض يعني عود الحج إلى الوقت الذي جعله الله له ، واتفق ذلك في حجة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله :
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وإن كان ظاهره الخبر ، فهو نهي عن هذه الأفعال ، وعبر بلفظ النفي عنها ؛ لأن المنهي عنه سبيله أن يكون منفيا غير مفعول وهو كقوله في الأمر :
والوالدات يرضعن أولادهن و
يتربصن بأنفسهن وما جرى مجراه صيغته صيغة الخبر ومعناه الأمر .