وقوله تعالى :
والله مخرج ما كنتم تكتمون يدل على أن
ما يسره العبد من خير وشر ودام ذلك منه أن الله سيظهره ، وهو كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
إن عبدا لو أطاع الله من وراء سبعين حجابا لأظهر الله له ذلك على ألسنة الناس وكذلك المعصية .
وروي أن الله تعالى أوحى إلى
موسى عليه السلام : قل
لبني إسرائيل يخفوا لي أعمالهم وعلي أن أظهرها وقوله تعالى :
والله مخرج ما كنتم تكتمون عام والمراد خاص ؛ لأن كلهم ما علموا بالقاتل بعينه ولذلك اختلفوا وجائز أن يكون قوله :
والله مخرج ما كنتم تكتمون عاما في سائر الناس ؛ لأنه كلام مستقل بنفسه وهو عام فيهم وفي غيرهم .
وفي هذه القصة سوى ما ذكرنا حرمان ميراث المقتول ، روى
أبو أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني : أن رجلا من
بني إسرائيل كان له ذو قرابة وهو وارثه ، فقتله ليرثه ، ثم ذهب فألقاه على باب قوم آخرين وذكر قصة البقرة وذكر بعدها : فلم يورث بعدها قاتل وقد اختلف في
ميراث القاتل .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب أنه لا ميراث له سواء كان القتل عمدا أو خطأ ، وأنه لا يرث من ديته ولا من سائر ماله وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر إلا أن أصحابنا قالوا : إن كان القاتل صبيا أو مجنونا ورث وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي : قاتل الخطأ يرث دون قاتل العمد وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة : لا يرث قاتل الخطأ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يرث القاتل عمدا من دية من قتل شيئا ولا من ماله ، وإن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته .
وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وقال
المزني عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا قتل الباغي العادل
[ ص: 44 ] أو العادل الباغي لا يتوارثان لأنهما قاتلان قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : لم يختلف الفقهاء في أن قاتل العمد لا يرث المقتول إذا كان بالغا عاقلا بغير حق ، واختلف في قاتل الخطأ على الوجوه التي ذكرنا وقد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي قال : حدثنا
أحمد بن محمد بن عنبسة بن لقيط الضبي قال : حدثنا
علي بن حجر قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج والمثنى nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=33940ليس للقاتل من الميراث شيء .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي قال : حدثنا
موسى بن زكريا التستري قال : حدثنا
سليمان بن داود قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث عن
الحجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عن النبي عليه السلام قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=33940ليس للقاتل شيء وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
حميد بن عبد الرحمن عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664405القاتل لا يرث .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16956محمد بن راشد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
القاتل عمدا لا يرث من أخيه ولا من ذي قرابته شيئا ويرث أقرب الناس إليه نسبا بعد القاتل ، وروى
حصن بن ميسرة قال : حدثني
عبد الرحمن بن حرملة عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=74963عدي الجذامي قال : قلت : يا رسول الله كانت لي امرأتان فاقتتلتا فرميت إحداهما ؟ فقال : اعقلها ولا ترثها ، فثبت بهذه الأخبار حرمان القاتل ميراثه من سائر مال المقتول ، وأنه لا فرق في ذلك بين العامد والمخطئ لعموم لفظ النبي عليه السلام فيه .
وقد استعمل الفقهاء هذا الخبر وتلقوه بالقبول فجرى مجرى التواتر كقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لا وصية لوارث وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669501لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها nindex.php?page=hadith&LINKID=67342وإذا اختلف البيعان فالقول ما قاله البائع أو يترادان وما جرى مجرى ذلك من الأخبار التي مخرجها من جهة الإفراد وصارت في حيز التواتر لتلقي الفقهاء لها بالقبول من استعمالهم إياها فجاز تخصيص آية المواريث بها ويدل على تسوية حكم العامد والمخطئ في ذلك ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس من غير خلاف من أحد من نظرائهم عليهم وغير جائز فيما كان هذا وصفه من قول الصحابة في شيوعه واستفاضته أن يعترض عليه بقول التابعين ولما وافق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك على أنه لا يرث من ديته وجب أن يكون ذلك حكم سائر ماله من وجوه .
أحدها : أن ديته ماله وميراث عنه بدليل أنه تقضى منها ديونه وتنفذ منها وصاياه ويرثها سائر ورثته على فرائض الله تعالى كما يرثون سائر أمواله ، فلما اتفقوا على أنه لا يرث من ديته كان ذلك
[ ص: 45 ] حكم سائر ماله في الحرمان كما أنه إذا ورث من سائر ماله ورث من ديته ، فمن حيث كان حكم سائر ماله حكم ديته في الاستحقاق وجب أن يكون حكم سائر ماله حكم ديته في الحرمان ؛ إذ كان الجميع مستحقا على سهام ورثته وأنه مبدوء به في الدين على الميراث ومن جهة أخرى أنه لما ثبت أنه لا يرث من ديته لما اقتضاه الأثر وجب أن يكون حكم سائر ماله كذلك ؛ لأن الأثر لم يفصل في وروده بين شيء من ذلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إنما ورث قاتل الخطأ من سائر ماله سوى الدية ؛ لأنه لا يتهم أن يكون قتله ليرثه وهذه العلة موجودة في ديته ؛ لأنها من التهمة أبعد .
فواجب على مقتضى علته أن يرث من ديته ومن جهة أخرى أنهم لا يختلفون في قاتل العمد وشبه العمد أنه لا يرث سائر ماله كما لا يرث من ديته إذا وجبت ، فوجب أن يكون ذلك حكم قاتل الخطأ ؛ لاتفاقهما في حرمان الميراث من ديته وأيضا إذا كان قتل العمد وشبه العمد إنما حرما الميراث للتهمة في إحراز الميراث بقتله فهذا المعنى موجود في قتل الخطأ ؛ لأنه يجوز أن يكون إنما أظهر رمي غيره وهو قاصد به قتله لئلا يقاد منه ولا يحرم الميراث ، فلما كانت التهمة موجودة من هذا الوجه وجب أن يكون في معنى العمد وشبهه وأيضا توريثه بعض الميراث دون بعض خارج من الأصول ؛ لأن فيها أن من ورث بعض تركة ورث جميعها ومن حرم بعضها حرم جميعها .
وإنما قال أصحابنا : إن الصبي والمجنون لا يحرمان الميراث بالقتل من قبل أنهما غير مكلفين ، وحرمان الميراث على وجه العقوبة في الأصول فأجري قاتل الخطإ مجراه وإن لم يستحق العقاب بقتل الخطأ تغليظا لأمر الدم ، ويجوز أن يكون قد قصد القتل برميه أو بضربه وأنه أوهم أنه قاصد لغيره فأجري في ذلك مجرى من علم منه ذلك ، والصبي والمجنون على أي وجه كان منهما ذلك لا يستحقان الدم ، قال النبي عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675748رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى ينتبه ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يحتلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر رحمه الله : فظاهر هذا الخبر يقتضي سقوط حكم قتله رأسا من سائر الوجوه ، ولولا قيام الدلالة لما وجبت الدية أيضا .
فإن قيل : فإنه يحرم النائم الميراث إذا انقلب على صبي فقتله ؟ قيل له : هو مثل قاتل الخطأ يجوز أن يكون أظهر أنه نائم ولم يكن نائما في الحقيقة وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في العادل إذا قتل الباغي حرم الميراث ، فلا وجه له ؛ لأنه قتله بحق وقد كان الباغي مستحقا للقتل ، فغير جائز أن يحرم الميراث ولا نعلم خلافا أن من وجب له القود على
[ ص: 46 ] إنسان فقتله قودا أنه لا يحرم الميراث وأيضا فلو كان قتل العادل الباغي يحرمه الميراث لوجب أنه إذا كان محاربا فاستحق القتل حدا أن لا يكون ميراثه لجماعة المسلمين ؛ لأن الإمام قام مقام الجماعة في إجراء الحكم عليه فكأنهم قتلوه ، فلما كان المسلمون هم المستحقين لميراث من ذكرنا أمره وإن كان الإمام قام مقامهم في قتله ثبت بذلك أن من قتل بحق لا يحرم قاتله ميراثه ، وقال أصحابنا في حافر البئر وواضع الحجر في الطريق إذا عطب به إنسان : إنه لا يحرم الميراث ؛ لأنه غير قاتل في الحقيقة ؛ إذ لم يكن فاعلا للقتل ولا لسبب اتصل بالمقتول ، والدليل على ذلك أن القتل على ثلاثة أوجه : عمد ، وخطأ ، وشبه العمد ، وحافر البئر وواضع الحجر خارج عن ذلك .
فإن قيل : حفر البئر ووضع الحجر سبب للقتل كالرامي والجارح أنهما قاتلان لفعلهما السبب قيل له : الرمي وما تولد منه من مرور السهم هو فعله وبه حصل القتل ، وكذلك الجرح فعله فصار قاتلا به ؛ لاتصال فعله بالمقتول ؛ وعثار الرجل بالحجر ووقوعه في البئر ليس من فعله فلا يجوز أن يكون به قاتلا .