باب ميراث المرتد اختلف
السلف في
ميراث المرتد الذي اكتسبه في حال الإسلام قبل الردة على أنحاء ثلاثة :
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وعبد الله nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز وحماد والحكم nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وشريك : " يرثه ورثته من المسلمين إذا مات أو قتل على ردته " . وقال
ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " ميراثه لبيت المال " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وسعيد بن أبي عروبة : " إن كان له ورثة على دينه الذي ارتد إليه فميراثه لهم دون ورثته من المسلمين " ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ؛ والصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن ميراثه لورثته من المسلمين . ثم اختلفوا
فيما اكتسبه في حال الردة إذا قتل أو مات مرتدا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : " ما اكتسبه بعد الردة فهو فيء " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي في إحدى الروايتين : " ما اكتسبه بعد الردة أيضا فهو لورثته
[ ص: 38 ] المسلمين " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ظاهر قوله تعالى :
يوصيكم الله في أولادكم يقتضي توريث المسلم من المرتد ؛ إذ لم يفرق بين الميت المسلم وبين المرتد .
فإن قيل : يخصه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656267لا يرث المسلم الكافر كما خص توريث الكافر من المسلم ، وهو وإن كان من أخبار الآحاد فقد تلقاه الناس بالقبول واستعملوه في منع توريث الكافر من المسلم ، فصار في حيز المتواتر ؛ ولأن آية المواريث خاصة بالاتفاق ، وأخبار الآحاد مقبولة في تخصيص مثلها قيل له : في بعض ألفاظ حديث
أسامة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31282لا يتوارث أهل ملتين لا يرث المسلم الكافر فأخبر أن المراد إسقاط التوارث بين أهل ملتين ، وليست الردة بملة قائمة ؛ لأنه وإن ارتد إلى النصرانية أو اليهودية فغير مقر عليها ، فليس هو محكوما له بحكم أهل الملة التي انتقل إليها ، ألا ترى أنه
وإن انتقل إلى ملة الكتابي أنه لا تؤكل ذبيحته وإن كانت امرأة لم يجز نكاحها ؟ فثبت بذلك أن الردة ليست بملة ، وحديث
أسامة مقصور في منع التوارث بين أهل ملتين ؛ وقد بين ذلك في حديث مفسر ، وهو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين عن
عمرو بن عثمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=74961لا يتوارث أهل ملتين شتى ، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فدل ذلك على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو منع التوارث بين أهل ملتين وأيضا فإن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة من أصله أن
ملك المرتد يزول بالردة ، فإذا قتل أو مات انتقل إلى الوارث ؛ ومن أجل ذلك لا يجيز تصرف المرتد في ماله الذي اكتسبه في حال الإسلام ، وإذا كان هذا أصله فهو لم يورث مسلما من كافر ؛ لأن ملكه زال عنه في آخر الإسلام ، وإنما ورث مسلما ممن كان مسلما .
فإن قيل : فإذا يكون قد ورثته منه وهو حي . قيل له : ليس يمتنع توريث الحي ، قال الله تعالى :
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وكانوا أحياء ؛ وعلى أنا إنما نقلنا المال إلى الورثة بعد الموت ، فليس فيه توريث الحي . ويقال للسائل عن ذلك : وأنت إذا جعلت ماله لبيت المال فقد ورثت منه جماعة المسلمين وهو كافر وورثتهم منه وهو حي إذا لحق بدار الحرب مرتدا . وأيضا فإن المسلمين إذا كانوا إنما يستحقون ماله بالإسلام فقد اجتمع للورثة القرابة والإسلام ، وجب أن يكونوا أولى بماله لاجتماع السببين لهم وانفراد المسلمين بأحدهما دون الآخر ، والسببان اللذان اجتمعا للورثة هو الإسلام وقرب النسب ، وأشبه سائر الموتى من المسلمين لما كان ماله مستحقا للمسلمين كان من اجتمع له قرب النسب مع الإسلام أولى ممن بعد نسبه منه وإن
[ ص: 39 ] كان له إسلام .
فإن قال قائل : هذه العلة توجب توريثه من مال الذمي قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأن مال الذمي بعد موته غير مستحق بالإسلام ، لاتفاق الجميع على أن ورثته من
أهل الذمة أولى به من المسلمين ، واتفاق جميع فقهاء الأمصار على أن مال المرتد مستحق بالإسلام ، فمن قائل يقول : يستحقه جماعة المسلمين ، وآخرين يقولون : يستحقه ورثته من المسلمين ؛ فلما كان ماله مستحقا بالإسلام أشبه مال المسلم الميت لما كان مستحقا بالإسلام كان من اجتمع له الإسلام وقرب النسب أولى من جماعة المسلمين .
فإن قيل : فلو
مات ذمي وترك مالا ولا وارث له من أهل دينه وله قرابة مسلمون كان ماله لجماعة المسلمين ولم يكن أقاربه من المسلمين أولى به لاجتماع السببين لهم من الإسلام والنسب .
قيل له : إن
مال الذمي غير مستحق بالإسلام ؛ والدليل عليه أنه لو كانت له ورثة من
أهل الذمة لم يستحق المسلمون ماله ، وما استحق من مال الذمي بالإسلام لا يكون ورثته من
أهل الذمة أولى به منهم بل يكونون هم أولى كمواريث المسلمين ، فدل ذلك على أن
مال الذمي وإن جعل لبيت المال إذا لم يكن له وارث فليس هو مستحقا بالإسلام وإنما هو مال لا مالك له وجده الإمام في دار الإسلام ؛ كاللقطة التي لا يعرف مستحقها فتصرف في وجوه القرب إلى الله تعالى .
فإن قيل : فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فيما اكتسبه المرتد في حال ردته : " إنه فيء لبيت المال " وهذا ينقض الاعتلال ويدل على أصل المسألة للمخالف . قيل له : لا يلزم ذلك ولا دلالة فيه على قول المخالف وذلك لأن ما اكتسبه في حال الردة هو بمنزلة مال الحربي ولا يملكه ملكا صحيحا ، ومتى جعلناه في بيت المال بعد موته أو قبله فإنما يصير ذلك المال مغنوما كسائر أموال الحرب إذا ظفرنا بها ، وما يؤخذ على وجه الغنيمة فليس بمستحق لبيت المال لأجل الإسلام ؛ لأن الغنائم ليست بمستحقة لغانميها بالإسلام ، والدليل عليه أن
الذمي متى شهد القتال استحق أن يرضخ له من الغنيمة .
فثبت بذلك أن مال الحربي ومال المرتد الذي اكتسبه في الردة مغنوم غير مستحق بالإسلام ، فلم يعتبر فيه قرب النسب والإسلام كما اعتبرنا في ماله الذي اكتسبه في حال الإسلام ؛ لأن ذلك المال كان ملكه فيه صحيحا إلى أن ارتد ثم زال ملكه عنه بالردة ، فمن يستحقه من الناس فإنما يستحقه بالميراث والمواريث يعتبر فيها الإسلام وقرب النسب إذا كان ملكا لمسلم إلى أن زال عنه بالردة الموجبة لزوال ملكه كما يزول بالموت ، فلم يلزم عليه حكم ماله المكتسب في حال الردة . ولا يجوز
[ ص: 40 ] أيضا أن يكون أصلا للمال المكتسب في حال الإسلام ؛ لأن ملكه فيه كان صحيحا إلى أن زال عنه الموت ، والمال المكتسب في حال الردة بمنزلة مال الحربي ملكه فيه غير صحيح ؛ لأنه اكتسبه وهو مباح الدم ، فمتى حصل في يد المسلمين صار مغنوما ، بمنزلة
حربي دخل إلينا بغير أمان فأخذناه مع ماله أن ماله يكون غنيمة ، فكذلك مال المرتد الذي اكتسبه في حال الردة .
فإن احتج محتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال : مر بي خالي
nindex.php?page=showalam&ids=177أبو بردة ومعه الراية فقلت : إلى أين تذهب ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669541أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله وهذا يدل على أن
مال المرتد فيء . قيل له : إنما فعل ذلك ؛ لأن الرجل كان محاربا مع استحلاله لذلك حربيا فكان ماله مغنوما ؛ لأن الراية إنما تعقد للمحاربة ؛ وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة عن أبيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=698712أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جد nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه ويخمس ماله ، وهذا يدل على أن مال ذلك الرجل كان مغنوما بالمحاربة ولذلك أخذ منه الخمس .
فإن قيل : ما أنكرت أن يكون مال المرتد مغنوما ؟ قيل له : أما ما اكتسبه في حال الردة فهو كذلك ، وأما ما اكتسبه في حال الإسلام فغير جائز أن يكون مغنوما ، من قبل أن ما كان يغنم من الأموال سبيله أن يكون ملك مالكه غير صحيح فيه قبل الغنيمة ، كمال الحربي ومال المرتد قبل الردة قد كان ملكه فيه صحيحا ، فغير جائز أن يغنم كما
لا يغنم أموال سائر المسلمين إذا كانت أملاكهم فيه صحيحة ، وزواله عن المرتد بالردة كزواله بالموت فمتى انقطع حقه عنه بالقتل أو بالموت أو اللحاق بدار الحرب استحقه ورثته دون سائر المسلمين ؛ لأن سائر المسلمين إن استحقوه بالإسلام لا على أنه غنيمة كانت ورثته أولى به لاجتماع الإسلام والقرابة لهم ، وإن استحقوه بأنه غنيمة لم يصح ذلك لما بينا من أن شرط الغنيمة أن يكون مال المغنوم غير صحيح الملك في الأصل .
واختلف
السلف فيمن
أسلم قبل قسمة الميراث ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في مسلم مات فلم يقسم ميراثه حتى أسلم ابن له كافر أو كان عبدا فأعتق : " إنه لا شيء له " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وأبي الزناد nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان أنهما قالا : " من أسلم على ميراث قبل أن يقسم شارك في الميراث " ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وأبي الشعثاء ؛ وشبهوا ذلك بالمواريث التي كانت في الجاهلية ، ما طرأ عليه الإسلام منها قبل القسمة قسم على حكم الإسلام ولم يعتبر وقت الموت ؛ وليس هذا عند الأولين كذلك ؛ لأن حكم
[ ص: 41 ] المواريث قد استقر في الشرع على وجوه معلومة ، وقال الله تعالى :
ولكم نصف ما ترك أزواجكم وقال :
إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك فأوجب لها الميراث بالموت ، وحكم لها بالنصف وللزوج بالنصف بحدوث الموت من غير شرط القسمة ، والقسمة إنما تجب فيما قد ملك ، فلا حظ للقسمة في استحقاق الميراث ؛ لأن القسمة تبع للملك ؛ ولما كان ذلك كذلك وجب أن لا يزول ملك الأخت عنه بإسلام الابن كما لا يزول ملكها عنه بعد القسمة . وأما مواريث الجاهلية فإنها لم تقع على حكم الشرع ، فلما طرأ الإسلام حملت على أحكام الشرع ؛ إذ لم يكن ما وقع قبل ورود الشرع مستقرا ثابتا ، فعفي لهم عما قد اقتسموه وحمل ما لم يقسم منها على حكم الشرع كما عفي لهم عن الربا المقبوض ، وحمل بعد ورود تحريم الربا ما لم يكن مقبوضا على حكم الشرع ، فأبطل وأوجب عليهم رد رأس المال ، ومواريث الإسلام قد ثبتت واستقر حكمها ولا يجوز ورود النسخ عليها فلا اعتبار فيها بالقسمة ولا عدمها ، كما أن عقود الربا لو أوقعت في الإسلام بعد تحريم الربا واستقرار حكمه لا يختلف فيه حكم المقبوض منها وغير المقبوض في بطلان الجمع .
وأيضا لا خلاف نعلمه بين المسلمين أن
من ورث ميراثا فمات قبل القسمة أن نصيبه من الميراث لورثته ، وكذلك لو ارتد لم يبطل ميراثه الذي استحقه وأنه لا يكون بمنزلة من كان مرتدا وقت الموت ، فكذلك من أسلم أو أعتق بعد الموت قبل القسمة فلا حظ له في الميراث ، والله أعلم .