قوله تعالى :
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت قد قرئ بنصب اللام وخفضها ؛ فمن قرأها بنصبها جعلهما من الملائكة ، ومن قرأها بخفضها جعلهما من غير الملائكة .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك أنهما كانا علجين من أهل
بابل والقراءتان
[ ص: 69 ] صحيحتان غير متنافيتين ؛ لأنه جائز أن يكون الله أنزل ملكين في زمن هذين الملكين لاستيلاء السحر عليهما واغترارهما وسائر الناس بقولهما وقبولهم منهما ، فإذا كان الملكان مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما وسائر الناس معنى السحر ومخاريق السحرة وكفرها جاز أن نقول في إحدى القراءتين :
وما أنزل على الملكين اللذين هما من الملائكة ، بأن أنزل عليهما ذلك .
ونقول في القراءة الأخرى : وما أنزل على الملكين من الناس ؛ لأن الملكين كانا مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما ، كما قال الله تعالى في خطاب رسوله :
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء
وقال في موضع آخر :
قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا فأضاف الإنزال تارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتارة إلى المرسل إليهم وإنما خص الملكين بالذكر وإن كانا مأمورين بتعريف الكافة ؛ لأن العامة كانت تبعا للملكين ، فكان أبلغ الأشياء في تقرير معاني السحر والدلالة على بطلانه تخصيص الملكين به ليتبعهما الناس .
كما قال
لموسى وهارون :
اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وقد كانا عليهما السلام رسولين إلى رعاياه كما أرسلا إليه ، ولكنه خصه بالمخاطبة ؛ لأن ذلك أنفع في استدعائه واستدعاء رعيته إلى الإسلام وكذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
كسرى وقيصر وخصهما بالذكر دون رعاياهما وإن كان رسولا إلى كافة الناس ، لما وصفناه من أن الرعية تبع للراعي .
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم في كتابه
لكسرى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652719أما بعد فأسلم تسلم وإلا فعليك إثم المجوس وقال لقيصر أسلم تسلم وإلا فعليك إثم الأريسيين يعني أنك إذا آمنت تبعتك الرعية ، وإن أبيت لم تستجب الرعية إلى الإسلام خوفا منك فهم تبع لك في الإسلام والكفر فلذلك والله أعلم خص الملكين من أهل
بابل بإرسال الملكين إليهما كما قال الله تعالى :
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس
فإن قيل : فكيف يكون الملائكة مرسلا إليهم ومنزلا عليهم ؟ قيل له : هذا جائز شائع ؛ لأن الله تعالى قد يرسل الملائكة بعضهم إلى بعض كما يرسلهم إلى الأنبياء ، كثف أجسامهم وجعلهم كهيئة بني
آدم لئلا ينفروا منهم ، قال الله تعالى :
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا يعني هيئة الرجل .