صفحة جزء
باب نكاح الأمة بغير إذن مولاها قال الله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلهن قال أبو بكر : قد اقتضى ذلك بطلان نكاح الأمة إلا أن يأذن سيدها وذلك لأن قوله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلهن يدل على كون الإذن شرطا في جواز النكاح وإن لم يكن النكاح واجبا ، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم :من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ؛ أن السلم ليس بواجب ، ولكنه إذا اختار أن يسلم فعليه استيفاء هذه الشرائط ، كذلك النكاح وإن لم يكن حتما فعليه إذا أراد أن يتزوج الأمة أن لا يتزوجها إلا بإذن سيدها .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في نكاح العبد ؛ حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : أخبرنا معلى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فهو عاهر . حدثنا عبد [ ص: 120 ] الباقي قال : حدثنا محمد بن الخطابي قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر .

وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : " نكاح العبد بغير إذن سيده زنا " .

وروى هشيم عن يونس عن نافع : " أن مملوكا لابن عمر تزوج بغير إذنه فضربهما وفرق بينهما وأخذ كل شيء أعطاها " . وقال الحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم والشعبي : " إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فالأمر إلى المولى إن شاء أجاز وإن شاء رد " . وقال عطاء : " نكاح العبد بغير إذن سيده ليس بزنا ولكنه أخطأ السنة " .

وروى قتادة عن خلاس : " أن غلاما لأبي موسى تزوج بغير إذنه ، فرفع ذلك إلى عثمان ، ففرق بينهما وأعطاها الخمسين وأخذ ثلاثة أخماس " .

قال أبو بكر : واتفق من ذكرنا قوله من السلف أنه لا حد عليهما ، وإنما روي الحد عن ابن عمر ، وجائز أن يكون جلدهما تعزيرا لا حدا فظن الراوي أنه حد . واتفق علي وعمر في المتزوجة في العدة أنه لا حد عليها ، ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفهما في ذلك .

والعبد الذي تزوج بغير إذن مولاه أيسر أمرا من المتزوجة في العدة ؛ لأن ذلك نكاح تلحقه الإجازة عند عامة التابعين وفقهاء الأمصار ، ونكاح المعتدة لا تلحقه إجازة عند أحد ؛ وتحريم نكاح المعتدة منصوص عليه في الكتاب في قوله تعالى : ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وتحريم نكاح العبد من جهة خبر الواحد والنظر .

فإن قيل : قال النبي صلى الله عليه وسلم في العبد يتزوج بغير إذن مولاه : هو عاهر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : وللعاهر الحجر . قيل له : لا خلاف أن العبد غير مراد بقوله : وللعاهر الحجر لأنه لا يرجم إذا زنى ، وإنما سماه عاهرا على المجاز والتشبيه بالزنى لإقدامه على وطء محظور ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : العينان تزنيان والرجلان تزنيان وذلك مجاز ، فكذلك قوله في العبد .

وأيضا فقد قال : أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ولم يذكر الوطء ، ولا خلاف أنه لا يكون عاهرا بالتزوج ؛ فدل أن إطلاقه ذلك كان على وجه المجاز تشبيها له بالعاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية